منى أبو زيد تكتب : بيت الدمية
“يحتاج الرجل العربي أن يضعك في قفص الاتهام كي يمن عليك بالعفو ويكون حينها سيدك، الرجل حاكم عربي صغير، لم تسمح له الظروف أن يحكم شعباً، لكن وضعك الله في طريقه وأنت شعبه، وعليك أن تعرفي إذن أنّك لن تسمعي منه كلمة اعتذار ما حييت، ومهما اقترف من أخطاء في حقك. هل حاكم شعب عربي واحد حاكماً على تبذيره وسوء تصرفه بثروة ليست من خزانة أبيه؟!”. هكذا خطبت أحلام مستغانمي في بنات جنسها عبر كتابها الشهير “نسيان كوم”، وهكذا عزفت على أوتار الهم العاطفي المقيم كدأبها، ولكن ليتها أخبرتنا لماذا لا يعتذر الرجال برأيها؟. من جهتي أعتقد أنهم لا يفعلون ليس من باب المكابرة، بل لأن سقف الخطأ الذي يستحق الاعتذار – بحسب منطقهم – أعلى من نظيره عند بنات جنسي “الطيبانات”..! الرجل والمرأة متفقان على لعبة الأمومة والبنوّة، لكنهما مختلفان على آليات الحكم والتطبيق، لذا تجدهما يتوقفان كثيرًا عند مفهوم طفولة الرجل، فهو يرى أن مظاهر الطفولة في سلوكه أنه سريع الغضب، سريع النسيان لأخطاء امرأته، وأن الحنان هو مفتاح قلبه وأنّ “الطبطبة” – غير المشروطة – هي أقصر الطرق إلى أقرب مأذون شرعي..! بينما تعتقد المرأة أن طفولة الرجل تكمن في سطحية أحكامه على سلوكها، فهو يرتاح إلى مَن تمعّن في تدليله وتتظاهر بالموافقة على كل طلباته، حتى وإن أضمرت في دواخلها العكس. الرجل يتهم المرأة بالمكر ويستعيذ بالله من كيدها، لكنّ الحقيقة التي يؤكدها التاريخ العاطفي للإنسانية هي أن الكيد العظيم هو أقصر الطرق للوصول إلى قلب الرجل، وأكثرها نجاحاً في المحافظة عليه..! أشهر حادثة شجار زوجي غيّرت وجهة تاريخ العصر الحديث وغيّرت ملامح خارطة الفكر الاجتماعي في القارة الأوروبية كانت تلك التي وقعت بين نورا وزوجها هيلمر، بطلا مسرحية “بيت الدمية” للكاتب النرويجي العظيم هنريك إبسن. تلك القطعة الفنية الثورية التي حملت لواء الأدب الواقعي. فالبطلة زوجة تكافح في سبيل استقلاليتها وحريتها الاجتماعية ومساواتها الفكرية بزوجها الذي يقابل كل ما قدمته لإنجاح مؤسستهما المشتركة بالجحود والهجوم والنكران، ويتفنن في إظهار يقينه الكامل بأنها دمية برأس جميل فارغ..! شجار بطلي مسرحية إبسن كان في نهايات القرن التاسع عشر وانتهى بخروج نورا من حياة هيلمر، بعد أن صفقت الباب خلفها، وبذلك انتصر الكاتب لإنسانية المرأة الأوروبية دونما إفراط أو تفريط..!
صحيفة الجريدة