هل تجاوزت الأزمة السودانية محطة الشراكة العسكرية – المدنية؟
أفرزت إطاحة رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان الشراكة الانتقالية بين المكونين العسكري والمدني (قوى الحرية والتغيير) في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وحل مؤسسات الفترة الانتقالية وإعلان حالة الطوارئ تحت مسمى تصحيح المسار، أكثر الأزمات السياسية التي مرت على السودان تعقيداً، ووضعت البلاد أمام تهديدات حقيقية على أمنها القومي ووحدتها الوطنية ووضعها الاقتصادي المتدهور نحو الانهيار.
تأسيس شاق
وأسست الشراكة بين المدنيين والعسكريين بعد محادثات شاقة بين الطرفين كمخرج لتشكيل السلطة التي تدير الفترة الانتقالية بناءً على الوثيقة الدستورية 2019 في أعقاب إطاحة نظام عمر البشير، لكن العلاقة بين الشريكين ظلت مضطربة، وعلى رغم وصف التجربة بالفريدة فإنها لم تصمد طويلاً أمام الصراع المكتوم.
ومع الاستفحال المزمن للأزمة وعلى رغم تعدد المبادرات هل أغلقت الأبواب نهائياً أمام العودة إلى الشراكة المدنية – العسكرية مرة أخرى، أم أن الزمن والمواقف قد تجاوزاها بحيث باتت عودتها مستحيلة؟
ضد الشراكة
في السياق رأى رئيس حزب “الأمة” مبارك الفاضل المهدي أن هناك شبه إجماع سياسي الآن ألا مجال لعودة الشراكة السابقة أو أي حاضنة سياسية، بيد أن هناك بعض من يريدها في تحالف “الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، ومن موقعي اتفاق سلام جوبا، من أجل ضمان استمرارهم في الحكم. أضاف الفاضل أن حزبه يرى ألا تكون هناك شراكة بتاتاً، لكن على الجيش أن يضطلع بمهام الأمن والدفاع وإدارة المؤسسات العسكرية والنظامية ويتولى المدنيون مسائل التشريع والتنفيذ، واقترح إلغاء المجلس السيادي وتولي القائد العام المهام ذات الطابع المراسيمي من موقعه كرئيس للمجلس العسكري على أن يكون المنصب السيادي مراسمياً.
ووصف الفاضل مواقف نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد عبدالرحيم دقلو بأنها أقرب إلى كونه حليفاً لـ”الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، وتعبر عن خط أقرب إليه لكنها لا تعبر عن موقف الجيش.
أفضلية للتوافق
على صعيد الحركات المسلحة رأى القيادي بحركة “التحالف السوداني” الموقعة على اتفاق جوبا للسلام حذيفة محيي الدين البلول أن علاقة أطراف العملية السلمية بالعسكر مرتبطة بتنفيذ الاتفاق الذي يشمل أيضاً كل مكونات الحكومة التنفيذية، مشيراً إلى أن الحركات لديها علاقات مع معظم القوى السياسية والمجتمعية والشبابية بما فيها لجان المقاومة، وتسعى لتحقيق توافق بين كل هذه المكونات للحفاظ على مكاسب ومطالب الثورة. وأشار البلول إلى أن أطراف اتفاق السلام هم أكبر جهة متضررة من التشظي الموجود الآن على الساحة السياسية، لأنها أسهمت بشكل مباشر في تعطيل تنفيذ الاتفاق، لذلك فهي تسعى لخلق كتلة وطنية مؤمنة بالتحول الديمقراطي واستقرار البلاد من خطر الانزلاق نحو التفتت، ولا تسعى لشراكة ثنائية مع العسكر، لأن عبء تنفيذ اتفاق السلام مرهون بكل الحكومة المدنية.
من جانبه أكد رئيس حركة “جيش تحرير السودان” الموقعة على اتفاق السلام وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي أن أساس حال الشد والجذب التي تسيطر على الساحة السياسية بين اليمين واليسار هو أطماع الطرفين في السلطة، بينما قطاعات الشعب السوداني لا مصلحة لها في هذا الصراع، ورأى، في تغريدة على “تويتر”، أن المخرج يكمن في تجميع كل المطروح من مبادرات للوصول إلى تشكيل حكومة توافقية بحاضنة سياسية تضم الجميع.
الشراكة والشرعية
من جانبه، وصف المحلل السياسي محمد بشري حامد الشراكة السابقة بين المكونين العسكري والمدني بأنها كانت تعبر وقتها عن الثورة وتمثل شرعيتها، غير أن فضها بانقلاب قائد الجيش في 25 أكتوبر 2021 قضى على تلك الشرعية وقوضها من جذورها، بالتالي فلا مجال للحديث عن العودة إليها لأنها فعلاً قبرت إلى الأبد، كما لا يمكن تأسيس شرعية جديدة للوضع الراهن في ظل المناهضة الشعبية المستمرة. وأشار حامد إلى أن لجان المقاومة تمثل الموقف الشعبي الأكثر وضوحاً من قضية الشراكة منذ انقلاب 25 أكتوبر، والتي تسميها “شراكة الدم”، وعبرت عن ذلك بجلاء في شعارها الموسوم بـ”لا شراكة، لا تفاوض، والردة مستحيلة”، من خلال الحراك الجماهيري والتظاهرات المناهضة للانقلاب والمستمرة حتى اليوم. أضاف المحلل السياسي “خلال فترة ما يمكن تسميته مجازاً امتداداً للفترة الانتقالية ما بعد انقلاب 25 أكتوبر انقلبت العلاقة بين المكونين رأساً على عقب، مما اعتبرته قوى إعلان الحرية والتغيير غدراً بشراكتها وانقلاباً على الشرعية، وفي الوقت ذاته يرفض العسكريون أي عودة إلى تسوية ثنائية مجدداً”.
وأشار إلى أن الشرعية لن تعطى لأي نظام في ظل مناهضة شعبية وسياسية بحجم ما يحدث في السودان، بخاصة أن تعطيل المواد الأساسية في الوثيقة الدستورية وإلغاء الشراكة وحل كل مؤسسات “الانتقالية” بما فيها مجلسا السيادة والوزراء أفقدت البرهان الشرعية التي كان يمثلها كرئيس لمجلس السيادة المحلول في ذلك الوقت، مما اضطره إلى اتخاذ صفته كقائد للجيش وليس ممثلاً لرأس السيادة في ما يخص كل القرارات التي اتخذها لاحقاً من تعيينات ولاة الولايات والوزراء ووكلاء الوزارات.
ولم يستبعد حامد احتمال حدوث توافق بين شقي “الحرية” المجلس المركزي والتوافق الوطني في وقت قريب، تقديراً للمنعطف الخطير الذي تمر به البلاد، بتقديم تنازلات مطلوبة من الطرفين تدفع نحو تجاوز نقاط الخلاف والتوافق حول تكوين حكومة انتقالية تجد القبول الشعبي، مشيراً إلى أن الإعلانين الدستوريين الصادرين عنهما يشكلان أرضية جيدة للاتفاق.
تقاطعات وتداعيات
وكانت قوى “الحرية والتغيير – التوافق الوطني” قد أعلنت عن ميثاق جديد لتوسيع دائرة التوافق السياسي، وفي حين كان يتوقع بعض المراقبين قرب توصل التيارين إلى اتفاق ظل المجلس المركزي متمسكاً بعدم الاتفاق مع القوى التي دعمت الانقلاب وكانت الجزء الأساس فيه. وقال الناطق الرسمي باسم “الحرية والتغيير – المجلس المركزي” جعفر حسن إن النأي بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي والتحول الديمقراطي يمثل قضايا البلاد الرئيسة في الوقت الراهن، مشيراً إلى وجود خلاف حول تلك القضايا بين مجموعتي “الحرية والتغيير”.
وكان رئيس “الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة” القيادي في “الجبهة الثورية” و”التوافق الوطني” الأمين داؤود قد نوه بأن الصراع بين المكونين المدني والعسكري ألقى بظلاله السلبية على قضايا شرق السودان بعد أن تم استبعاده من حكومتي ما بعد الثورة السابقتين، كما تسبب في تباطؤ المركز في التعامل مع قضايا الإقليم وإيجاد الحلول اللازمة لها.
التزامات البرهان ودقلو
وكان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو أعلن عقب اجتماعه مع البرهان أنهما قررا ترك عملية اختيار رئيسين مدنيين لمجلسي السيادة والوزراء للمدنيين، مجددين التزاماتهما السابقة بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، والانصراف لمهامها المنصوص عليها في الدستور والقانون وترك الحكم للمدنيين. وأعرب دقلو في بيان عن التطلع إلى توافق قوى الثورة على تشكيل حكومة مدنية بالكامل لاستكمال مهام الفترة الانتقالية تأسيساً لتحول ديمقراطي حقيقي.
ولفت البيان أيضاً إلى “أهمية التنسيق والتعاون بين السودانيين كافة لإزالة المصاعب التي تواجه عملية الانتقال، تحقيقاً لتطلعات الشعب في بناء دولة ديمقراطية مستقرة”، داعياً إلى ضرورة التعاون والتنسيق بين جميع السودانيين لإزالة المصاعب التي تواجه عملية الانتقال وخلق البيئة المواتية للتقدم إلى الأمام تحقيقاً لتطلعات الشعب في بناء دولة ديمقراطية مستقرة.
ومنذ 25 أكتوبر 2021 دخل السودان في أزمة سياسية مستفحلة على أثر قرارات البرهان التي أعلن بموجبها فض الشراكة وحالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء، وحكومات الولايات، متعهداً بتكوين حكومة كفاءات مستقلة تقود “الانتقالية” وصولاً إلى الانتخابات العامة، وتعهد البرهان في تلك القرارات بإكمال مؤسسات “الانتقالية” بما في ذلك مفوضيتا الدستور والانتخابات، وتشكيل مجلسي القضاء العالي والنائب العام والمحكمة الدستورية خلال شهر، وإقامة برلمان “ثوري” من الشباب.
جمال عبد القادر البدوي
إندبندنت عربية