جعفر عباس

جعفر عباس يكتب.. مع العيال مرة أخرى


من الأمور التي اعتز بها كثيرا، أن اسرتي الصغيرة لما تفارقني طوال سنوات اغترابي، فقد ظللنا نقوم ونقعد مع بعضنا البعض ما عدا لفترات قصيرة جدا عندما تضطر ام الجعافر للسفر الى السودان لأمر عاجل ، ثم حينما التحق العيال بجامعات خارج قطر، وهكذا سعدت برؤية كل واحد من عيالي وهو يحبو ثم يمشي ثم ينطق كلمته الأولى، وندخل انا وام الجعافر في جدال: هل قال ماما ام بابا أولا، وياما غيرت حفاظات وياما منهم من استفرغ على وجهي وبال على صدري (وكان هذا جزائي لأنني كنت ومن وراء ظهر امهم اجردهم من الحفاظات واكفل لهم حرية التبول، ذلك انني كنت في طفولتي أكره البامبرز)، وياما حضّرت رضعات اللبن ووجبات سريلاك، (كنت أتناول بعضا منه لأن امي كانت قد حرمتني منه وتعطيني الفول المهروس)، وياما غنيت لهم. أغنية مروة المفضلة كانت “غني يا طيور/ نغمك الحنون يشرح الصدور”، وكانت تفضل صوتي على صوت حنان النيل، مما يؤكد أنها تعاني من خلل في أذنها، أما عبير فقد كانت بكماء حتى سن الرابعة، فسافرت بها الى السودان وعرضتها على د. محمد بشارة، ومن غرائب الأمور أنني وبشارة عشنا في نفس الغرفة في داخلية بحر الزراف في سنتنا الأولى في الجامعة، وبعدها ذهب هو الى كلية الطب ولم أره مرة أخرى إلا بعد ان صار استشاريا في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، واتضح ان عبير تعاني من خمول في عصب السمع يجعلها تسمع الكلمات مشوشة، ومن ثم كانت تبرطم بكلام خارم بارم وهي تحسب انها تقول جملا مفيدة، وأذكر انه وصف لها عقار انسفابول السائل Encephabol Liquid وبعد اكمال القارورة الأولى منها كنت أجالسها واردد معها بعض الأهازيج كعادتي لمساعدتها على الكلام فإذا بها تغني: شبابك تشابك/ أعمل حسابك، فاحتضنتها وبكيت من الفرح، ومن ديك وعيك، انطلق لسانها تدريجيا بعد ان كانت تقول وأنا أحاول تدريبها على سورة الفاتحة: صراط الذين” ألعنت” عليهم!! وتقول لجارتنا: نجيكم فيلم الليل وهي تقصد في الليل
مروة بالذات “نجضتني” كما نقول في السودان عن الشخص الذي يذوقك الويل وسهر الليل، فلأنني طويل البال مع الصغار وعلى استعداد “أتعاور” معهم، فإن عيالي يكونون لصيقين جدا بي خلال سنواتهم الأولى، وكانت مروة لا تنام الا على ممدودة فوق صدري وبطني وأنا أطبطب على ظهرها واردد “غني يا طيور”، ثم احسب انها نامت فاسكت، فإذا بها “لب” تركلني شلوت في بطني وتغمغم مممم، فأواصل الطبطبة والغناء، وكانت جدتها لأمها امرأة صبورة وبشوشة، ولكن وكلما نامت مروة تقول: نوم الظالم عبادة!! وكانت مروة “كاسرة عيني” كما نقول عن الشخص الذي يقفشك وانت تأتي فعلا او قولا مشينا، فعندما حان موعد ولادتها ذهبت بأمها الى مستشفى الكورنيش في ابوظبي، وتوجهوا بنا الى غرفة التوليد، وبعد ان سلمتها للطبيبة المناوبة تحركت لمغادرة الغرفة فإذا بالطبيبة الفلبينية تقول إن من واجبي ان أكون مع زوجتي خلال عملية الولادة؛ حسبت في بادئ الأمر انها “تهزر” فتحركت نحو الباب واكتشفت عندها انه مغلق بالمفتاح، والمفتاح في يد الطبيبة، عندها طار كل ما أعرفه من اللغة الإنجليزية من رأسي، فصحت فيها متوسلا: عيب يا ولية!! أنا جعفر ولد عباس اب شنب ال دق الناس بلا سبب اقعد جنب امرأة تلد؟ ولكنها أرغمتني على مواجهة الحائط ووضع يدي خلف رقبة زوجتي خلال عملية الطلق، وعشت لحظات من الرعب واحسب انني توجعت اكثر من ام الجعافر بدليل انني اصبت بالجفاف والتصحر من فرط العرق الذي بذلته خلايا جسمي، ثم جاءت شهقة الميلاد، ورأيت كائنا معفصا ومجلبغا ثم رأيت ابتسامة كبيرة على وجه الأم وكأنها في نزهة ووصلت الاستراحة المنشودة، ومنذ تلك التجربة زاد احترامي للنساء: تحمل الواحدة منهن في بطنها آدميا كاملا لتسعة أشهر، وتعاني في لحظات الولادة من آلام رهيبة، ثم تكرر تجربة الحمل والولادة، اللهم لا تحرم بيتا من الأطفال.

جعر عباس