مكي المغربي

مكي المغربي يكتب: شكرا أمريكا


نشكر أمريكا حكومة وشعبا على التبرع الأخير وهو مليون مصل ضد كوفيد 19 وهو ليس التبرع الأول، بل سبقه ستمائة ألف جرعة، وهو ليس للسودان فقط، إنه يأتي في ظل التزامات أمريكا تجاه العالم، وهي دولة سخية في العمل الإنساني والتبرعات.

هنالك دول ثرية ومقتدرة مثل الجزائر، تبرعت لها أمريكا بالأمصال، العديد من الدول الأفريقية، وباقي دول العالم، كلها تنتظر هذه الأمصال بفارغ الصبر لجودتها وفعاليتها، وما وصلنا في السودان كان له الإسهام الكبير في انحسار موجة الوباء، وتراجع الوفيات.

نحن في السودان، لدينا نماذج متميزة من التعاون الأمريكي، أشهرها في عهد الرئيس الأمريكي ريغان، هذا الرجل الذي حفر اسمه في التاريخ السوداني بكميات مهولة من الإغاثة والذرة الرفيعة التي جاءت للسودان عندما كان المتضررين يحفرون بيوت النمل ليخرجوا الحبوب.

أرسلت الحكومة الأمريكية مروحيات شينوك العملاقة ناقلة المدرعات وهي محملة بالذرة والقمح إلى مواقع المجاعة في السودان، كانت تلك الضربة الجوية الأقوى في تاريخ البشرية ضد الجوع والجفاف.

كانت لوحة تعكس النبل الإنساني الأمريكي والبسالة في التدخل لمكافحة الجوع.

ويقال أن أمرأة سودانية في دارفور قالت بعفوية وهي ترى المروحيات تزمجر في السماء وهي تلقى أطنان الغذاء “ريجان الله يدخله الجنة”.

أيضا، هنالك تقاوي الذرة الرفيعة الأمريكية ألفا 1 و ألفا 2، وهي الأفضل في الإنتاج والأقدر على مقاومة الجفاف، وهنالك أنواع من التقاوي الأمريكية ساهمت في تغيير التركيبة المحصولية في الخضروات والفواكه.

تأثر تدفق تقاوي الذرة ألفا بسبب الحصار الأمريكي لاحقا، وبالرغم من أن الزراعة تم استثناءها لاحقا من الحصار، ثم رفعت العقوبات، ثم خرج السودان من قائمة الإرهاب ولا توجد أي عوائق حاليا، لم ترجع تقاوي ألفا للسودان، ولكن هنالك مجهودات أتوقع أنها ستبذل من السفير الأمريكي بالخرطوم جون جودفري، والسفير السوداني في واشنطون محمد عبد الله إدريس لاسترداد العافية في كل هذه البرامج، وهي برامج لا علاقة لها بالسياسة أصلا بدليل أنها خرجت من العقوبات باستثناءات منذ النظام السابق حتى في أيام العقوبات والقائمة.

كثير وكثير من التعاون الأمريكي السوداني أصلا لا علاقة له بمن يحكم السودان وبمن يحكم أمريكا، ولكن هنالك مستفيدين من توتر العلاقات يقحمون بعض القضايا في المساحة الخلافية، لأنهم يستفيدون من التوتر في العلاقات، وهم “دول” ومنظمات وأشخاص.

من طرفنا، نحن نشكر أمريكا والشعب الأمريكي ونتمنى حقيقة وصدقا علاقات مستقرة وهادئة بين البلدين.

أنا أرجح أن يتم احتواء التوتر العارض الذي يحدث بين الحين والآخر بين الخرطوم وواشنطون ولدينا في ذلك تشخيص دقيق للعلل ووصفات جيدة جدا لتجاوز العقبات والنهوض بالعلاقات، وسنوافي بها جميع الأطراف عند اللزوم.

الشكر مجددا لطائرة الأمصال المضادة التي جاءت في التوقيت المناسب، والشكر الجزيل للسفير الأمريكي جون جودفري، وطاقم السفارة الأمريكية بالخرطوم.

المقام ليس للتحليل السياسي ولكن السودانيين يحبون السياسة وكثيرون يطلبون منا إجابات محددة عن موقف العلاقات الأمريكية السودانية حاليا، على ضوء تصريحات السفير في حواره الأخير، وما تبعه من مضاعفات اعلامية وديبلوماسية؟

كما ذكرت من قبل أن العلاقات الأمريكية السودان تشهد تحسنا ولا تشهد تراجعا، وما يحدث أحيانا هو ليس تراجعا بل إبطاء في السير أو توقف لفترة لعوامل داخلية في أمريكا، أو في السودان، على سبيل المثال التأخر في الدخول للمرحلة الثانية في التفاوض للإزالة من قائمة الإرهاب والذي حدد له نوفمبر 2017، بعد نجاح رفع العقوبات الإقتصادية، كان التأخر من السودان وليس أمريكا، وتحديدا الرئيس السابق عمر البشير، ولكن ما الذي دفعه إلى هذا؟ الإجابة في عنوان عريض “هنالك خلافات وطموحات داخلية ورغبات أصدقاء أربكت الحسابات السودانية” ولكن يكن السبب من طرف أمريكا إطلاقا، وعندما ذهب البشير حدث تأخر للمرة الثانية وكان بسبب السودان أيضا لأن حكومة حمدوك ظنت في باديء الأمر أنها غير ملزمة أن تبدأ من النقطة التي وصل إليها البشير ويجب أن تصعد للدور النهائي مباشرة وتستلم الكأس دون أي تفاوض لأن المطلوب كان الاطاحة بالبشير وقد حدث، وسألناهم متى وأين قال لكم الأمريكان هذا الأمر؟ ولم نجد اي اجابة، ثم دخلت القوى السياسية في مغالطات داخلية وحسم السودان أمره في النهاية في الحوار الهاتفي الرباعي الشهير.

أصلا الحوار الأمريكي السوداني بدأ من الطرف الأمريكي وكان ولا يزال جادا فيه، وبدأ الحوار بهاتف وانتهى بهاتف، الأول مكالمة كيري ـ كرتي في أكتوبر 2014 ببداية الحوار، والأخير مكالمة البرهان، حمدوك، نتنيايو، ترمب في أكتوبر 2020 باكتمال الخروج من القائمة، ولقد تابعت السنوات الستة بخفاياها وتفاصليها الدقيقة.

هنالك جملة من الأخطاء تحدث لأسباب تخص الأطراف، أو لأسباب خارجة عن الإرادة أوظروف دولية.

لكن العلاقات ستسير للأمام.

صحيفة الانتباهة