هل يعود حمدوك رئيسا لحكومة الخرطوم مجددا؟
انشغل السودانيون خلال اليومين الماضيين بأنباء تداولتها وسائل إعلامية بكثافة تشير إلى قرب إعلان حكومة جديدة في الخرطوم من كفاءات مستقلة برئاسة عبدالله حمدوك لقيادة ما تبقى من الفترة الانتقالية، ما ينهي حال الفراغ السياسيين الذي دام قرابة عام بسبب الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بتعطيله الشراكة مع المدنيين وإنهاء العمل بالوثيقة الدستورية التي كانت تحكم البلاد.
فما صحة هذه الأنباء وما يدور خلف الكواليس لإنهاء الأزمة السياسية التي طال انتظارها؟
امتصاص الزخم
في السياق، قال الكاتب السوداني شمس الدين ضو البيت “في رأيي، ما يحدث الآن في ما خص الإشاعات والأخبار والسيناريوهات التي تتحدث عن قرب تشكيل حكومة مدنية مستقلة، الغرض منه امتصاص الزخم الثوري المعارض لانقلاب البرهان المرتبط بشهر أكتوبر كونه يمثل استعادة لذكرى الثورة 1964، والمقاومة الشعبية العارمة لانقلاب 25 أكتوبر منذ يومه الأول، وكذلك ذكرى التظاهرات الحاشدة التي اندلعت في 2021، وبصورة عامة، كان واضحاً جداً أن الرأي العام، بخاصة الثوري، تعهد أن يكون هذا الشهر موعداً حاسماً لإسقاط الانقلاب”.
أضاف ضو البيت “بالتالي، فإن هذا الحراك الدائر هدفه إعطاء انطباع أن الأزمة السياسية التي تفجرت بسبب الانقلاب في طريقها للحل من خلال تقديم القوى السياسية تنازلات مراعاة لظروف البلاد المتردية، فضلاً عن توافق هذه القوى مع بعضها بعضاً لاستعادة التحول الديمقراطي واستكمال ما تبقى من فترة انتقالية، كما أن الحديث الذي رشح عن عودة حمدوك لمنصبه السابق رئيساً للوزراء ثبت أنه إشاعة كبرى وجدت أكبر عملية تجاوب وقبول من طيف واسع من السودانيين. وأكد مقربون من حمدوك أنه لم يتلقى أي اتصالات بهذا الشأن وسمع بخبر ترشيحه مرة أخرى من خلال الوسائط مثل بقية الناس”.
وعن إمكانية تشكيل حكومة كفاءات مستقلة في غضون الأيام المقبلة، تابع الكاتب السوداني “ما هو الجديد في هذه الحال التي سمحت بتشكيل حكومة مدنية، فقائد الجيش نفسه يعلم أن تكوين أي حكومة من جهته أو من قبل الجهات الداعمة لانقلابه لن تجد القبول من الشارع، كما ظل البرهان طيلة الفترات الماضية يبحث عن مخرج بعد أن اقتنع بفشل انقلابه، لذلك ليس هناك من جديد يتيح له اتخاذ مثل هذه الخطوة، وبالعكس، الشارع في حال غليان وغضب بسبب عودة عناصر النظام السابق للمشهد العام وسيطرتها على مفاصل الدولة من جديد”.
تشظٍّ وخلافات
في سياق متصل، قال الناطق الرسمي باسم حركة تجمع قوى تحرير السودان القيادي في الجبهة الثورية فتحي عثمان “صحيح هناك جهود حثيثة لتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة خلال الأيام المقبلة ربما أسهمت في انفراج الأزمة السياسية وإنهاء حال الفراغ الدستوري التي استمرت نحو عام بسبب استيلاء العسكريين على السلطة، وذلك في ضوء توقيع قوى التوافق الوطني والمبادرة السودانية للترتيبات الدستورية، السبت السابع من أكتوبر، على إعلان سياسي ينص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية وإجراء تعديلات جوهرية على الوثيقة الدستورية، ولا أعتقد أن تكون الحكومة الجديدة برئاسة حمدوك، فهو لن يعود مجدداً لمنصبه السابق بحسب الواقع المعاش، لكن في حال عودته، فإننا كحركات كفاح مسلح نرحب به من منطلق أنه أهل لهذا المنصب لمتابعة ما قدمه من إنجازات معلومة للجميع”.
الضرائب تحرك الشارع السوداني المتخوف من واقع اقتصادي جديد
أضاف “في اعتقادي، غياب أي طرف في التشكيل الجديد للحكومة المقبلة سيرتد سلباً على نجاحها، لأن من المهم وجود كل الكتل السياسية وتوافقها ولو بالحد الأدنى حتى نضمن أمن واستقرار هذه البلاد التي عانت كثيراً الخلافات، فأنا أتوقع أن يحدث توافق وشبه إجماع على حكومة تقود الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية، لأن معظم القوى السياسية وكذلك المكون العسكري وصلوا إلى قناعة بضرورة إنهاء هذه الأزمة والسير بمعالجة المشكلات التي تعترض غالبية الناس، بخاصة المتعلقة بالنواحي المعيشية والأمنية”.
منعطف خطر
وفي حال عدم قبول الشارع السوداني بالحكومة الجديدة كونها لا تعبر عن طموحاته، قال عثمان “نحن كجبهة ثورية نحترم الشارع لأنه أسهم بشكل أساسي في إسقاط نظام البشير في أبريل (نيسان) 2019، ونعتبره صاحب الكلمة العليا ومفجر ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، لكن الواقع يشير إلى أنه منذ انقلاب البرهان في 25 أكتوبر 2021 وحتى يومنا هذا، لم يؤد غليان الشارع من خلال التظاهرات المستمرة إلى نتيجة، وفي المقابل يسير البلد في منعطف خطر على كل الصعد، بالتالي، لا سبيل ولا خيار للشارع غير تحكيم صوت الحكمة والعقل بقبول الحكومة المقبلة مراعاة للظروف التي يمر بها السودان سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعاً، وهو ظرف سيئ يدركه الجميع”.
وبين أنه لم يتم حتى الآن ترشيح شخصية بعينها لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، مشيراً إلى أن المشاورات ما زالت جارية في هذا الخصوص، لا سيما بعد توقيع الإعلان السياسي. أما بالنسبة إلى المكون العسكري، فإنه نأى بنفسه عن السياسة، فاختار إنشاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة مكوناً من الجيش والدعم السريع على أن يتولى قيادة القوات النظامية ومسؤولية الأمن والدفاع، وهو بلا شك مكانه الطبيعي، لكن من المؤكد أن هناك مخاوف ومطامع من قبل المكون العسكري لا بد من مخاطبته بها لضمان الاستقرار السياسي في البلاد.
ولفت الناطق الرسمي باسم حركة تجمع قوى تحرير السودان إلى أنه بناءً على أحكام اتفاق جوبا للسلام الموقع في الثالث من أكتوبر 2020 بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، فإنه سيكون هناك مجلس سيادة مدني بالكامل متفق على عدده، باعتباره يمثل واحداً من أساسات الفترة الانتقالية.
إسماعيل محمد علي
إندبندنت عربية