مكي المغربي

مكي المغربي يكتب: عودة إتحاد الصحفيين، التهنئة والدرس المستفاد


التهنئة للقاعدة الصحفية وللإتحاد الشرعي القانوني المنتخب من رئيسه الأستاذ الصادق الرزيقي إلى أصغر صحفي تخرج بعد كارثة حل و”تحطيم” الإتحادت والنقابات ولم يستطع الجلوس لامتحان قيد صحفي ولا حتى أن يوجد في ظل اتحاد يشمل الجميع.

كان مشهدا بائسا أن نرى حديقة مقر الاتحاد التي تزوج فيها الصحفيون واقاموا انتخاباتهم وندواتهم وافطاراتهم، غابة موحشة من المسكيت والثعابين والعناكب، في قلب الخرطوم وفي أبهج

شوارعها.

ما يحدث كان ارهابا وبلطجة باسم السياسة والتغيير.

ونأمل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة توحد القاعدة الصحفية تحت مظلة الاتحاد العام للصحفيين السودانيين.

انتخابات بلا تردد ولا مماطلة ولا تخوف من نتائجها.

نأمل أيضا، ألا تتردد الدولة وأجسامها العدلية البتة، وأن تتبنى عودة فورية لبقية النقابات والإتحادات المهنية ثم تنظيم انتخابات حرة ونزيهة لتعود الحركة النقابية السودانية لدورها الوطني المطلوب.

الحديث عن دور وأهداف النقابات العمالية والإتحادات المهنية يتعاظم، وبات هو الأهم بعد استمرار السودان في تطبيق الإصلاحات الإقتصادية القاسية “الناشفة” والتي نؤيدها ونتجرع الحنظل ولا سبيل لنا غير ذلك، وقد ارتبطنا بهذا الموقف في عهد البشير وحمدوك و ما بعد الإطاحة بقحت، هذا رأيي وموقفي ولا صلة له بذهاب نظام وقدوم آخر، الإقتصاد الحر هو الأصل، والحديث عن المعالجات لا يأتي إلا في سياق الإقرار به أولا.

لكن لا معالجات بدون نقابات واتحادات وطنية ومنتخبة وقوية وفاعلة.

من أهم ما يهدد الحكومة حاليا أن مرتبات البدوي “المنفوخة” ذابت وتلاشت مثل “حلاوة قطن” أمام “تضخم جبريل”، وفي حالة الصحفيين لا توجد لدى شريحة كبيرة منهم مرتبات من الأساس، وهي شريحة المراسلين والمتعاقدين المؤقتين.

حتى الصحفيين الذين يعملون في الصحف يستحون جدا من الحديث عن مرتباتهم، لأنها ستكون تقييما سيئا لهم للغاية، وفي بعض الصحف بل والفضائيات حتى مرتبات المشاهير والمشهورات مضحكة للغاية ولا تساوي ثمن البنزين للمذيع ولا حتى “قلم كحل” و “كريمات بشرة” للجميلات في الشاشات، والذين يظن المشاهد الكريم أنهن يمتلكن أموالا بقد رروعة ابتساماتهن.

عودة للحالة العامة، الحكومة تتربص بها تدخلات خارجية ماكرة جدا، وظروف إقتصادية قاسية للغاية، وإصلاحات لا مناص منها وما زاد هذه الظروف شراسة، أن الإضرابات التي تتلبد “سحبها الرعدية الثقيلة” في الأفق لا تحتاج إلى تحريض من الأساس بل هي الغطاء القانوني لعدم قدرة الموظف والعامل للحضور من بيته من الأساس، فالراتب لا يكفي ولا حتى مواصلات، فالحل أن يغيب ولذلك سيكون سعيدا لو تم تنظيم الإضراب من حزب البهجة والمسرة أو الإسلاميين شعبي “مجابد” أو وطني “محلول” أو حتى جمعية الرفق بالحيوان، أو رابطة معجبي ياسمين كوستي.

لا توجد نقابات وإتحادات لتقود التفاوض مع السلطة من الأساس، وما يوجد هي أجسام مطلبية واحتجاجية للأحزاب التي تستخدمها للعودة للسلطة وليس حل المشكلة.

قضية أن تأتي كتائب استراتيجية من الإسلاميين للعمل وتقوم بإنهاء الإضرابات بحضورها أيضا مجرد خيال سياسي، ولو تمت في وحدات محددة مثل مركز التحكم في الكهرباء أو برج المراقبة في المطار فهي ليست كتائب كيزان ولا كتائب حنين، هذه معالجة إحتياطية أمنية موجودة في أي نظام يتوقع حدوث إضطرابات مدنية أو كوارث طبيعية تعيق مزوالة موظفين لعملهم في مناطق حيوية وخطيرة من الدرجة الأولى، هذه معالجات لا علاقة لها بالأزمة الإقتصادية الشاملة.

أن يقوم المعلمون الإسلاميون، مثلا، بكسر إضراب المعلمين نكاية في قحت وتجمع المهنيين هذه مجرد خرافات تفترض السذاجة والاستخفاف في قواعد الإسلاميين، بل إن الأمر يحتاج إلى مرتبات وصرف “تقيل” لتوصيل المعلمين للمدارس، فضلا عن أنه سيكون حضورا بسبب الإحتياج يشارك فيه أي منتسب للمهنة إسلامي أو قحاتي، وسيكلف الدولة في شهر واحد ذات الأموال التي كانت تخطط بيها لتحسين الأجور لسنة كاملة.

أيضا، قواعد الإسلاميين، باعدادها الوفيرة، لو خيرت مجددا بين قيادة ثورة شعبية أو المحافظة على الوضع القائم فإنها ستختار قرارا قد يفاجيء قيادتها إذا كانت تعتقد أنها في التسعينات وحتى العام 2013 وأنه لم تمر المياه تحت الجسر وفوقه، بل لم يعد هنالك جسر من الأساس.

في هذا الوضع الملبد بالغيوم والتوقعات والمفاجئات والكوارث، في ظل استقطاب أجنبي حاد، وسواطة بالمفراكة للسفراء و”المباعيث” في الساحة السودانية الداخلية، إذا لم تعد النقابات والاتحادات الوطنية لتملأ الفراغ بحركة منظمة للتفاوض مع الحكومة بأجندة وطنية حول الأجور والأحوال المعيشية وتقوم بدورها الخدمي في السلع المخفضة والتأمين الصحي ومساعدة الحالات الحرجة بدئا من كيس الصائم وكرتونة العيد و”كراسات المدارس” وشيلة العرس، إلى قطعة الأرض بالأقساط.

اذا لم يحدث هذا فلينتظر الجميع واقعا مختلفا.

إتحاد الصحفيين السودان كان الشامة الحسناء في وجه الحركة النقابية السودانية في هذا الجانب، وأرقام إنجازاته مودعة في الإتحادات والمنظمات الدولية.

إلى جانب الخدمات هنالك قضية الحريات ودور الصحفيين في التغيير السياسي، ببساطة لأنهم صحفيين ولديهم مساهمات فردية في النضال من أجل حقوق المواطنين، لا بد من وجود مساهمة جماعية عبر جسمهم المنتخب.

لهذا السبب قد يحدث في قطاع الصحفيين من انقسامات وتكتلات ما لا يحدث في قطاعات أخرى، ولا يمكن مقارنة الصحفيين في الإرتباط بالإحتجاجات السياسية بالمهندسين ولا المعلمين ولا الأطباء ولا البياطرة ولا غيرهم.

ولا حتى الأطباء، نعم ولا حتى الأطباء، لأن الإطباء توجد بينهم مطالب مهنية مشتركة في الأجور ومكافئات العمل، ولذلك قواعدهم متوازنة بين الخدمات والحقوق المهنية والإحتجاجات الوطنية.

قواعد الصحفيين فيها تعدد كبير، أجور العاملين في سونا مثلا هي أجور عاملين، يشترك فيها الصحفي والسائق وسباك الوكالة.

المراسلين للوكالات الأجنبية لديهم المال ويرغبون في الأمان من الإعتقال.

ناشطو المنظمات والأحزاب والسفارات، على قلة عددهم، يعملون في موقع قيادية ويؤثرون أكثر من غيرهم، يمتلكون المنابر والمنتديات وادوات التأثير و”طبول الحرب” اذا لزم الأمر.

خلاصة الأمر أن النقابات تشترك في أشياء وتختلف في أشياء بحكم تكوينها، ولكن إذا لم تعد الحركة النقابية كاملة غير منقوصة، فنقل الحكومة “الرماد كال حماد”، وربما ينهار السودان تماما وليس الحكومة الموجودة أو التي ستأتي بوفاق في منزل “صانع السجائر” أو غيره من المليونيرات.

محاولة حظر الإسلاميين سياسيا لن تستمر، لا أتوقع البتة أن تقدم السلطة الحالية أو التي ستأتي بالوفاق الوطني على هذا الإنتحار في ظل هذه الظروف، ومهما كانت الخسائر المتوقعة في هجمات فيسبوك وفي المقالات والقيل والقال من سودانيين في المهاجر أو داخليا تحت رعاية ودعم يونتامس وسفارات ومنظمات، فإن الخسائر باستمرار الحظر والإقصاء أعظم، أكرر في ظل هذه الظروف الطاحنة تحدث التغيرات مثل الزلزال بلا إنذار.

في عمودي السابق “نقابة لا قانونية خير من لا نقابة” شرحت كثيرا من الملتبسات التي يفهمها البعض ويتعامى عنها كثيرون، وأنا مصر حتى الآن، تاخير السلطة في إعادة الاتحاد كان مبررا كافيا لقيام النقابة، والآن لتزول الظروف تماما يجب المضي قدما دون أي تخوف من الإنتخابات.

لذلك أتمنى أن يتم تنظيم إنتخابات اتحاد الصحفيين بأعجل ما تيسر وأنت تنتخب القبيلة الصحفية من تريد بعيدا عن المطابخ الحزبية والأمنية والسفارات، لكن التفكير بأن السنوات الأربع كانت فاصل ونواصل على طريقة “عدنا” هذا وهم كبير.

من الدروس المستفادة أيضا، هنالك تغييرات حقيقية، فقد رسبت شبكة الصحفيين السودانيين في منصب النقيب وفاز الزميل عبد المنعم أبو ادريس في الانتخابات التي كتبت عنها من قبل، ولذلك ما كان وهما كبيرا بأن بديل الإتحاد هو الشبكة وبديل الإنقاذ هو قحت، يجب أن يزول.

بديل الإنقاذ وقحت هم من ينتخبهم الشعب السوداني

صحيفة الانتباهة