صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب : مستهبل!

لافتة غريبة..

ولفتت نظري أمس..

ثم لفتت نظري إلى أنّها مثلها كثير مما شاهدته في عاصمتنا..

أو ببعض مدننا التي زرتها… أو لبثت فيها حيناً..

وهي لافتات علاجية..

ولكنه ليس علاجاً طبياً… ولا علمياً… ولا منطقياً..

لافتات تبشر بعلاجٍ روحاني… غيبي… ما ورائي… ميتافيزيقي..

علاج من سحر… من عمل… من تلبس شيطاني..

ولكن هل يتلبس الشيطان البشر؟..

بل هل هنالك ما يُؤثر في الإنسان من مؤثرٍ غير مرئي أصلاً؟..

الإجابة كلا… من وجهة نظري أنا..

وأصحاب مثل اللافتات العرجية هذه قد تكون مؤهلات أغلبهم لحية..

فقط لحية؛ ثم بعض تصنعٍ للتقوى… والورع… والعلم..

وفي مسرحية عش المجانين اقتصرت كل مُؤهّلات بطلها في لحية..

وذلك بغية خطب يد فتاته من أبيها..

قال لها (أنا أركِّب دأن – دقن – والباقي على الله)..

وكثيرٌ من هؤلاء – ممن يسمون أنفسهم شيوخاً – ينتهجون النهج ذاته..

فقط لحية – وبقيةٌ من الذي ذكرنا – والباقي على الله..

أو بالأصح؛ الباقي على الظروف… على التصاريف… على المصادفات..

فهم يعلمون أن زبائنهم في مثل جهلهم..

بل هم أشد جهلاً؛ فحين تسمح لجاهلٍ بأن يستغلك مادياً فأنت أجهل منه..

وحين كنت صغيراً بالبلد نوت مساكنتنا طيبة السفر..

فكانت تذكرني بسفرها هذا لأغني لها (حليلو قال ناوي السفر)..

ولكني بدلاً من ذلك أسمعتها ما لا تحب..

قلت لها إن الباخرة سوف تحترق… ولن تسافري..

وشب فيها حريقٌ – بالفعل – فور أن صارت طيبة بداخلها..

وأُفرغت من المسافرين… ومن البضائع..

ولما رجعت إلى البيت كادت أن تقبل يدي كما يفعل المريدون لشيوخهم..

ولكنها كانت محض مصادفة… لا أكثر..

فما من غيبيات… ولا سحر… ولا عمل… ولا كتابة… ولا أشباح تظهر ليلاً..

والسحر الذي ورد في كتاب الله قُرن بالضعف..

ضعف الإنسان… وجهله… وقلة عقله… وقابليته للتأثر بمؤثرات غير منطقية..

فلا يُسحر إلا من يُسترهب… فتُسحر عيناه..

وفي فيلم رعبٍ أجنبي ذهب موظف إلى قرية نائية لمعاينة منزلٍ مهجور..

منزل عليه بقيةٌ من استحقاقات مالية للدولة..

أو شيءٌ من هذا القبيل… لا أذكر بالضبط… وقال أهل القرية إنه مسكون..

وآمنوا جميعهم بذلك إلا واحداً منهم..

والواحد هذا لم يكن أكثرهم علماً… وإنما أقلهم ضعفاً..

وهو الذي كان عليه أن يقل الموظف هذا إلى منزل الرعب بسيارته العتيقة..

وحذره في الطريق من تصديق الشائعات..

قال له إن صدقتها فستنفخ فيها مخاوفك الروح لتظهر لك كأنها حقائق..

وفعلاً صدَّق… فضعف… فظهرت له..

وفي كينيا كان هنالك عراف كل أدوات عمله عظام… وثعلب..

ومن شدة شهرته بات أحد معالم الدولة السياحية..

وعندما يأتي إليه من يريد معرفة طالعه كان أول ما يفعله التحرر من ثيابه..

كل ثيابه؛ ليجلس أمامه كما ولدته أمه..

وفعل ذلك – يوماً – أمام مجموعة من الصحافيين الأجانب..

ثم حرر ثعلبه قيده..

فهجم على العظام وهو جائع..

فلما لم يجد فيها ما يسد رمقه تركها مبعثرة… وهو المطلوب بالنسبة للعراف..

فنظر ملياً إليها… وإلى أحدهم..

ثم قال له – حسب المترجم – إن زوجته تعرضت لحادث… والآن بالمشفى..

والصحافي هذا بريطاني… وزوجته بلندن..

وحين عاد إلى الفندق قيل له إن اتصالاً من لندن جاءه عدة مرات..

وأعطوه الرقم… فسارع إلى الهاتف..

ففوجئ بأن الأمر كما قاله العراف – العريان – بالضبط..

طيب ما علاقة العظام… والثعالب… والعري… بمعرفة الغيب؟..

ما من علاقة منطقية طبعاً..

مجرد تزامن بين القول والفعل… أي الحادث..

بدليل أن ما قاله لآخرين من الصحافيين هؤلاء لم يتحقق منه شيء..

وما قلته أنا لمساكنتنا طيبة تحقق..

ولكن تحققه هذا – أو حريق الباخرة وعدم سفرها – لا يعني أي شيء..

محض توافق بين القول… والفعل..

وبقدر تصديق شعبٍ من الشعوب لمثل هذه الخرافات تكون درجة تخلفه..

وبقدر نكرانه لها تكون درجة تحضره..

فما من قوة غيبية تُؤثر في الإنسان – والأكوان – سوى التي من تلقاء الله..

وكل من يدعي غير ذلك فهو كأصحاب هذه اللافتات..

مستهبل!.

صحيفة الصيحة