منى أبوزيد تكتب : في تعليم الفقراء..!
“لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصاباً إلا إلى طالب العلم والغازي ومنقطع الحج”.. السرخسي، المبسوط في الفقه..!
العلاقة بين النجاح الأكاديمي والمكانة الاجتماعية – في سودان ما قبل الألفية الثانية – كانت وطيدة، فليس أكثر مدعاة للموافقة على طالب زواج من النجاح المهني المطعم بالألقاب العلمية، “العريس دكتور”، “العريس مهندس”، في المقام الأول ثم بعد ذلك “جاب السمح وسوَّا السمح”..!
وقبل ذلك كانت الشهادة الأكاديمية قيمة تخول صاحبها لمنافسة العريس الثري وكان أبناء الفقراء من المتعلمين يتزوّجون بنات الأثرياء، وكان المجتمع يطرب ويُبارك تلك الزيجات تحت مظلة النديَّة، فالشهادة الكبيرة تعني الوظيفة المُحترمة والدخل الوفير. أما اليوم فقد تغيّرت المعطيات وتحوّل التعليم إلى خدمة غير مدعومة أو سلعة باهظة الثمن، شأنه شأن العلاج والطعام، كل على قدر استطاعته..!
مدارس الحكومة هي مدارس أبناء الفقراء، أما أبناء المُستطيعين – فالقادرون فالأغنياء، فالأثرياء – فهؤلاء مكانهم المدارس الخاصّة، كلٌّ على حسب طبقته الاجتماعية ودرجته المادية من سلم الرسوم المدرسية الباهظة والدروس الخاصّة..!
هذه المعطيات، أفرزت رباطاً جديداً وخطيراً بين درجة التفوق الأكاديمي للطالب ومُستوى الدخل المادي والمكانة الاجتماعية لأسرته، وأدخلت بعض التعديل على قاعدة “البقاء للأذكى” في مُنافسة الشهادة السودانية، وأعادت تقسيم نسب دائرة الذكاء الوراثي والذكاء البيئي على ضوء علاقة طردية جديدة بين المُعينات البيئية والتحصيل الأكاديمي..!
في الماضي كان المُلاحظ أنّ أول الشهادة قد يبرز من إقليم بعيد أو قرية نائية، يستذكر دروسه في ظروف اقتصادية واجتماعية بالغة الجدب، وينتمي إلى أسرة بسيطة عمادها أبوان أميان. أما اليوم فلكي تنافس لا بد أن يكون الأساس المادي قوياً، أجواء البيت مُجهّزة وجميع أفراد الأسرة في حالة استنفار كامل والدخل المادي غير متأثر بالصرف على تحصيلك الدراسي، والأب والأم ينتمي أحدهما إن لم يكن كلاهما إلى أعلى درجات سلم النجاح المهني والأكاديمي ..إلخ.. وعليه فإن معظم أوائل طلبة الشهادة السودانية اليوم هم – في الحقيقة – أبناء أمهاته وآبائه الأوائل. أما كل ما عدا ذلك فهي محض استثناءات تشد إليها المحطات الفضائية الرحال لتحقيق السبق الصحفي المطلوب بمحاورة الطالب الفقير المُتفوِّق الذي استطاع كسر القاعدة أعلاه..!
الذكاء الأكاديمي هو “مقدرة الطالب على حل المعضلات الفكرية” وعليه فإذا سلمنا بتراجع مدرسة الذكاء الوراثي وغلبة مدرسة الذكاء المتأثر بالعوامل البيئية في التحصيل الأكاديمي بالسودان فلسوف نخلص – ببساطة – إلى فجيعة. فكم من طالب علم فقير في هذا البلد وقفت رقة حال أسرته أمام طموحه الأكاديمي المشروع؟. وعليه، استناداً على ما قال به الحنفية والشافعية والحنابلة – وما اقتضاه المالكية – يجوز إعطاء الزكاة لطالب العلم الذي لا يغطي دخل ذويه نفقات تعليمه على الوجه الذي يُوازي تعليم ابن المستطيع..!
هذا وجه من وجوه الإنفاق التي يمكن أن يعتمدها المجتمع – الرسمي قبل الشعبي – لإصلاح حال التعليم العام الذي بات يشكو ضعفه وهوانه على الدولة. هل نبالغ إذا قلنا إنّ سُوء الحال يقتضي “علاقة ما” بين وزارة التعليم وديوان الزكاة..؟
صحيفة الصيحة