صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب : نعيٌّ جميل!


وهل هو كذلك؟..

هل يمكن للنعي – أي نعي – يكون جميلاً؟..

نعم؛ بل وأكاد أحسد صاحبه عليه… على نعيه الجميل – جماله هو نفسه – هذا..

رغم أنه لا حسد في الموت..

وذلك بسبب ما انهال عليه – وعلى قبره – من جميل نعي مستحق؛ بعد وفاته..

فهو لم يكن نعياً من قبيل (وكان دمث الأخلاق)..

بل هو مفعم بالصدق… والحرارة… والحياة… ويخلو من برودة أداء الواجب..

نعيٌ تتقاصر كل كلمة فيه عن سمو مقصدها لدى الراحل..

فمؤمن الغالي لم يوفه الناعون حقه… رغم كل الذي قالوه في حقه؛ عن صدق..

وهو ليس بالهين… وأعجز عن قول مثله..

ولكني لا أعجز – إن كان في النعي حسد – عن أن أحسده على ما لم أقدر عليه..

لم أقدر عليه في حياتي..

ولا أستحق – من ثم – نعياً مثله بعد مماتي..

ومن حسن حظه أن كثيرين منا – رغم طبع الحسد – لا يحسدون في شيئين..

الموت والنعي؛ مهما يكن موتاً جميلاً… ونعياً أجمل..

ومؤمن الغالي لا أظنه إلا قد مات جميلاً – مبتسماً – كعهدنا به دوماً في حياته..

لم أره يوماً مبتئساً – عابساً – عدا مرة واحدة..

وكنت (أنا) – والذي لم أتمن مثل نعيه من فراغ – السبب؛ أو بالأصح (هي)..

فقد أوصدتُ باب مكتبي دونها؛ المتدربة الجديدة..

وكنت – وقتها – بجريدة (آخر لحظة)… وهو أحد الذين عملوا على جذبي لها..

وبعد نحو نصف ساعة أتاني معاتباً؛ بلا ابتسامة..

قال إنه وجدها في صالة البوفيه تبكي؛ وختم عتابه بعبارة (رفقاً بهن يا أخي)..

وهو على الدوام رفيقٌ بالجميع؛ حتى على أهل الإنقاذ في نقده..

ومما كان يقوله لي – مبتسماً كعادته – هم يحسبونني ملحداً؛ أهل الإنقاذ هؤلاء..

وما دروا أنني (مؤمن)؛ اسمٌ على مسمى..

بل وحججت إلى بيت الله – يضيف – عدة مرات؛ ولكني لا أجاهر بذلك..

فالدين عنده علاقة بين العبد وربه..

فإن خالطها حب (الشو) – والشهوات – صار المرء إسلامياً كامل الدسم… والسم..

وهو في فلسفة تدينه هذه يذكرني بصديقي وراق..

فهو لا يحب أن ينفي عن نفسه أية تهمة تنتقص من إسلامه؛ زهداً… وترفعاً..

بل ويعد ذلك من صميم آداب التدين الحق..

وإذ غادرنا (الغالي) – قبل أعوام – لرب البيت الذي حج إليه فإنّ في القلب غصتين..

واحدة بسبب موته؛ وهو في (عز) عطائه الصحفي..

سيما بعد أن تحققت أمنيته – أخيراً – بزوال نظام البشير الذي كان يمقته جداً..

وأخرى جراء عدم تقييم عطائه الصحفي هذا؛ أدبياً… ومادياً..

ولكن عزاءنا أن يُقيَّم بين يدي الذي لا يُظلم عنده أحدٌ؛ ولا يحاسب الناس بالظاهر..

وما جعلني أعزيه مرة ثانية اليوم تذكري له..

تذكري له… وابتساماته… وقفشاته… وحكاياته… وجلبابه الذي يماثل قلبه بياضاً..

وذلك عند وقوع نظري على كلمة قديمة له..

وليتني – ليتني – كنت أحظى بجميل صفاته… وأخلاقه… وكلماته… ودماثته..

لأحظى – إذن – بالذي حظي به عقب موته..

بجميل نعي!.

صحيفة الصيحة