الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب: مرحلة الإزعاج..!!


:: بعد خريف العام 2018، عندما تفشت في كسلا حمى الشيكونغونيا، نفى وزير الصحة بالخرطوم وجود البعوض الناقل لهذه الحمى بالخرطوم، واصفاً هذا البعوض بالضعف، بحيث لا يقوى على الطيران إلا في حدود (400 متر)، أي أن بعوض كسلا لن يصل الخرطوم إلا (ميتاً).. وقبل هذا النفي الغريب، برر مدير وقاية النباتات بوزارة الزراعة فشله في مكافحة غزو الجراد الصحراوي لبعض الولايات، قائلاً: (وصل الجراد إلى بلادنا منهكاً من مصر، وقطع آلاف الأميال، ولذلك لا يشكل خطراً)..!! :: وبعد خريف هذا العام، ومع تفشي حمى الضنك في شمال كردفان ومناطق أخرى، يكشف مدير إدارة الطوارئ بالصحة المركزية – يوم أمس – عن ظهور الناقل لحمى الضنك بأطراف الخرطوم، ثم يحذّر موضحا بأن يرقات الناقل لحمى الضنك يمكن أن تبقى لمدة عام كامل، وأن هناك عمليات مكافحة لهذا الناقل بالخرطوم، وأن الأمر لم يصل مرحلة الإزعاج.. وكما تعلمون فإن الناقل بشمال كردفان تجاوز مرحلة الإزعاج، بحيث بلغ عدد الحالات المبلغ عنها (1000 حالة)، وهناك المزيد غير المبلغ عنها..!! :: الناقل لكل هذه الحميات بعوض، وليس أي شيء آخر.. وقد لا يصل بعوض كسلا وشمال كردفان وغيرها إلى الخرطوم لبعد المسافة، ولكن هل صحة البيئة بالخرطوم بحاجة إلى بعوض الأقاليم بحيث يُصاب أهل الخرطوم بالحميات؟.. للأسف (لا)، فالبيئة الصحية المتردية التي حضنت بعوض شمال كردفان لحد التوالد ونقل حمى الضنك هي ذات البيئة الصحية المتردية بالخرطوم وكل أقاليم السودان..!! :: واليوم، ليست شمال كردفان وحدها، بل كل ولايات السودان متساوية في تردي البيئة، ولذلك ليس من العدل اتهام شمال كردفان بتصدير حمى الضنك إلى مناطق السودان أخرى.. وحمى الضنك لم تفاجئ المناطق المصابة بها.. أي كما فشلت في درء آثار أمطار الخريف بالعجز عن التحسب لها، لقد فشلت كل ولايات السودان في وقاية المواطنين من أمراض ما بعد الخريف.. وقاية الإنسان من الحميات والإسهالات ليست بحاجة إلى طائرات إيرباص أو تكنولوجيا الرادار، وليست بحاجة إلى سُفن حربية ومفاعل نووي..!! :: مبيدات وطلمبات رش وأيدٍ عاملة وإرادة مسؤول.. تلك فقط هي وسائل مكافحة البعوض والذباب وكل الناقلات للحميات و الوبائات.. ولكن حين غابت إرادة المسؤولين بولايات ومحليات السودان، غابت العوامل والوسائل الأخرى، لتحل الملاريا والإسهالات، وتكدس مرضى حمى الضنك في المشافي، وتعطيل الإنتاج وزيادة الصرف على العلاج.. وعليه، ليست من شمال كردفان، بل من أكوام النفايات والمستنقعات الآسنة التي تتوسط الأحياء والأسواق تنتشر أسراب البعوض والذُباب، حاملة كل أنواع الحميات والإسهالات..!! :: والمؤسف، ورغم تواصل الوضع المأساوي بشمال كردفان منذ أسابيع، فإن من نلقبهم بالمسؤولين في السلطة المركزية كانوا في (سبات عميق)، ثم نهضوا ليُحذروا من انتشار حمى الضنك بالخرطوم، مع الوعد بمكافحة الناقل قبل أن يصل مرحلة الإزعاج، ولا يعلمون بأنهم – في حياة الناس والبلد – أكثر إزعاجاً من هذه الحمى وغيرها وناقلها..!!

صحيفة اليوم التالي