منى ابوزيد

منى أبوزيد تكتب :الحكم بعد المُداولة..!


“الزواج هو نقلة مفاجئة من التدليل إلى التذليل”.. توفيق الحكيم..!
زميلة وصديقة أردنية أرسلت إلى رسالة تتضمن بعض النتائج الأولية لبحث طريف أجرته على شبكة الإنترنت وهي تقوم بإعداد تحقيق صحفي عن تفاقم ظاهرة ضرب الزوجات في المجتمعات العربية، وموقع كل دولة من قائمة التصنيف وفقاً لأسباب الضرب وتبعاً لردود فعل الزوجة في كل دولة..!
وفي تلك الرسالة أومأت إلى حوار دار بيننا قبل سنوات عن أفضل الأزواج بين مختلف الجنسيات، وكيف أنني قد تمكّنت يومها من حسم الجدل بشأن الرجل السوداني بمرافعة مقنعة ضمنتها أدلة قاطعة على مبلغ احترام الزوج السوداني لشريكته في مؤسسة الزواج. ثم أرفقت مع رسالتها بعض الأخبار التي تضمنت حوادث موثقة، قام فيها أزواج سودانيون بضرب زوجاتهم لأسباب تافهة “أحدهم ضرب زوجته وسبّب لها خدوشاً في الوجه لأنه عاد متأخراً واكتشف أنها لم تقم بشراء الثلج لإعداد العصائر على مائدة إفطار رمضان.. وثانٍ شج رأس زوجته بالسكين لأنها لم تحسن استقباله بعد عودته من رحلة عمل.. وثالث ضرب زوجته ضرباً مبرحاً لأنها سألته عن سبب تأخُّره في العودة ليلاً” .. إلخ.. بطبيعة الحال قمت بتدبيج مرافعة لا بأس بها عن كون تلك الحالات شاذة وإلا لما صارت أخباراً تنشر في الصحف، وكيف أن الخير يخصّص وأن الشر يُعمّم، وكيف أن الأزواج في بلادنا لا يزالون على حالهم – بألف خير وبركة – على الرغم من تكالب المحن الاقتصادية وتكأكؤ الإحن الاجتماعية .. إلخ.. ثم دفعت بمرافعتي تلك عبر زاجل الأسافير..!
تلفزيون السودان استضاف قبل سنوات، ضيفاً مُقيماً ينتمي إلى دولة أفريقية – لا يحضرني اسمها – وعندما وجّه إليه مقدم البرنامج السؤال المُعتاد عن كم وكيف الاختلافات الاجتماعية بين البلدين، ضحك الرجل بدهشة متجددة ثم قال إن أكثر الاختلافات التي أثارت دهشته كانت تنازل الرجال عن مقاعدهم لتجلس النساء في المُواصلات العامة، بينما في بلاده تقف النساء لكي يجلس الرجال..!
وقد تحدّثت بعض الصحف العربية قبل فترة عن تباهي عريس – عبر برنامج شهير يبثه التلفزيون الصربي – بصفع زوجته على وجهها أمام الكاميرات، الأمر الذي وصفته والدة العروس بالإجراء التربوي الذي تستحقه ابنتها، أما عروس البخاتة فأقرت بأنها ربما كانت تستحق الصفع على وجهها بين الحين والآخر. قالت بهذا ثم نظرت إلى زوجها ولسان حالها ذلك المثل الشعبي المبتذل عن ضرب الحبيب وأكل الزبيب..!
فالصفع بحسبهم لا يعتبر في المجتمع الصربي ضرباً بل تأديباً وعظة للزوجة المخطئة، وتنازل المرأة عن مقعدها للرجل الأقوى بنية والأشد بأساً في تلك الدولة الأفريقية لا يعد مهانة أو قسوة، بل احتراًما لمكانة الرجل المبجلة في مجتمع ذكوري صرف..!
لكن مجتمعنا السوداني يختلف. نحن شعبٌ له ثوابته الدينية وأعرافه الممتدة عبر تاريخنا الاجتماعي، ونظرة أفراد هذا المجتمع تكاد تتحد في شجبها لمبدأ ضرب الزوجة، والمتأمل في تاريخ الأسرة الممتدة عندنا يخلص إلى اعتبار الضرب سقطة أخلاقية يقع فيها الأزواج قليلو الأصل والأخلاق والدين، هذا ما كان عليه آباؤنا الأولون..!
لكن الذي عزّ عليّ أن أُقِرَّ به – في تعقيبي على رسالة تلك الصديقة – هو أنّ ظاهرة ضرب الزوجات بين الأزواج الشباب في مُجتمعنا آخذةٌ في الانتشار، شأنها شأن ظاهرة الطلاق المبكر. حتى إنّ بعض أزواج هذا الزمان من الشباب قد كسروا قاعدة المثل الشهير “البدق ما بطلِّق”، فهم “يدقون” و”يطلقون” ثم إنّ بعضهم قد يتباهون بذلك..!
وهذا يعني أن جيل الشباب في بلادنا يتنازعه الإحباط والخَوْف من المجهول، لذا فهو يفرغ مخزون استيائه الهَائل من قِلّة الدخل الاقتصادي وقِلّة الحيلة السياسية في صناعة المعارك الاجتماعية. فهل يا تُرى من مُذَّكر..!

صحيفة الصيحة