تحقيقات وتقارير

تظاهرات السودان ترفع شعار “لا تراجع”


تسيّر لجان المقاومة في العاصمة السودانية الخرطوم الأربعاء، 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، تظاهرات حاشدة تتجه إلى القصر الرئاسي للمطالبة بإسقاط الانقلاب العسكري، الذي انقض على الحكومة الانتقالية المدنية برئاسة عبدالله حمدوك في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بحجة تصحيح المسار السياسي في البلاد.

وتأتي التظاهرات في إطار الحراك السلمي المطالب بعودة الجيش إلى ثكناته وسط تحركات سياسية لتوقيع اتفاق إطاري بين قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) والمؤسسة العسكرية لتقاسم السلطة الانتقالية، الذي يقابل بالرفض من قبل لجان المقاومة، لأنه يهدر حق الضحايا الذين سقطوا قبل الانقلاب وبعده.

وقال بيان لتنسيقيات لجان المقاومة في مدن العاصمة المثلثة إن “الثوار متمسكون بلهيب الثورة، وسنخرج اليوم الأربعاء تجديداً لموقفنا الثابت والرافض لحكم العسكر وتأسيس دولة وسلطة مدنية ديمقراطية يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه، لا مكان فيها للعرقية والجهوية والطائفية القديمة”.

وحدد البيان مناطق التجمع قبل انطلاق المواكب المتجهة للقصر الرئاسي في وسط الخرطوم، وهي جاكسون والمنطقة الصناعية الخرطوم وسوق اللساتك وشارع الجامعة.

إنهاء الانقلاب

لكن، كيف تنظر لجان المقاومة لفاعلية هذه التظاهرات وما يجري من تسوية سياسية تقود نحو إنهاء الحكم العسكري في البلاد وصولاً إلى مدنية الدولة؟

المتحدث الرسمي باسم لجان المقاومة في الخرطوم، محمد عمر أنور، قال إنه “من المعلوم أن طبيعة الحركة الجماهيرية الثورية هي عملية مد وجزر، بمعنى أنه يحدث أحياناً انخفاض في المد الثوري وأحياناً يرتفع، وهذه عملية طبيعية جداً في الثورات ومرت بها ثورة ديسمبر (كانون الأول) قبل 11 أبريل (نيسان)”.

وأضاف أنور في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “الفعاليات الثورية لم تنقطع يوماً، ولمدة عام كامل كانت الجداول الشهرية حاضرة، ورغم العنف المفرط والقتل والقمع والاعتقالات لم يرتد الشارع إلى السكون يوماً ما، بل لا يزال الثوار في الشوارع”.

وأشار إلى أن “الشاهد هو أن كل المعطيات الحالية الموجودة في الدولة السودانية تؤدي إلى ثورة، بالتالي فإن العامل الموضوعي أقوى من العوامل الذاتية، وبحسب رؤيتنا وتقييمنا للمشهد فإنه لم تحدث حتى اللحظة أية تغيرات جوهرية على الواقع”.

وأضاف، “ليس هناك ما يجعلنا نتراجع عن شعار الثورة الذي رفعناه منذ اندلاع هذا الانقلاب والمتمثل في (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية للعسكر)، وهو شعار المرحلة الحالية الذي يتناسب مع المعطيات الموضوعية، فالتظاهرات التي تخرج بانتظام في شوارع الخرطوم تريد تجاوز خط إنهاء الانقلاب إلى الخط الذي بعده، وهو إسقاط الانقلاب”.

الانحناء للعاصفة

وفي شأن تفسيرهم لتراجع العسكر عن مواقفهم المتشددة بقبول العودة إلى ثكناتهم، أجاب أنور بقوله، “المجلس العسكري الانقلابي نفسه الذي كان يتحدث عن عدم فض اعتصام القيادة العامة وقام بفض الاعتصامات في الخرطوم والولايات، هو المكون الانقلابي ذاته الذي كان وعد بعدم الانقلاب على الحكومة الانتقالية وانقلب عليها وسفك دماء عزيزة”.

ويرى أن “المكون الانقلابي يتعامل بسياسة الانحناء للعاصفة، ومن ثم ترتيب الأوضاع والانقضاض من جديد، فهؤلاء لديهم مطامع سلطوية واضحة ومخاوف من المحاسبة، لذا لا يوجد حل سواء إسقاطهم من دون الدخول في عملية تجريب المجرب”.

آلاف السودانيين يتظاهرون ضد الانقلاب
وحول ما يجري من تسوية من وجهة نظر لجان المقاومة، أوضح أنور “في اعتقادنا أنه من المستحيل أن تقدم التسويات حلولاً لمشكلات تأسيسية مزمنة وصلت حد الأزمة الشاملة، فالتسويات قد تكون صالحة للمشكلات العرضية، لكن القضايا التأسيسية تريد حلولاً شاملة تأسيسية مع إمكان وجود برامج ثورية منبثقة عنها ذات طابع إصلاحي متدرج زمنياً”.

وأضاف، “التسوية الحالية لم تتعلم من تجربة الشراكة مع العسكر بحسب ما رشح عنها، ولعل أحد أوجه أزمتها هي عدم شفافيتها ووضوحها مع الجماهير، وقد خرجت المواكب في 17 نوفمبر بأعداد كبيرة من ولايات السودان رافضة لها”.

وعن استعداداتهم لمليونية الأربعاء، أشار إلى أنها “تأتي كجزء من جدول التصعيد الثوري لهذا الشهر، وتتزامن مع رفع الدولة يدها عن أدوية الإمدادات الطبية المنقذة للحياة، وهي بذلك تقتل المرضى الفقراء عملياً، وتتنصل من مسؤولياتها الإنسانية”.

وأضاف، “كما تأتي في ظروف كساد وغلاء أسعار غير مسبوقة، كما أن تجهيزات الموسم الزراعي الشتوي دون المطلوب، ولا تزال العدالة غائبة في وقت لا تزال أمهات وأسر الشهداء يسألون عن دماء أبنائهم التي سفكت من دون وجه حق، فكل ذلك وغيره يؤكد صحة تقديرات الشارع بالمضي قدماً بإسقاط المجلس العسكري الانقلابي وحلفائه من الحركات المسلحة”.

إغلاق الجسور

ومن المنتظر أن تقوم السلطات الأمنية بإغلاق جسري “المك نمر” و”النيل الأبيض” بالحاويات إلى جانب نشر قوات كبيرة وسط الخرطوم والطرق المؤدية إلى القصر الرئاسي، لمنع تدفق المتظاهرين والحد من مشاركتهم في هذه التظاهرات.

وظلت لجان المقاومة منذ أكثر من عام تقود التظاهرات السلمية من أجل استعادة الحكم المدني، في حين واجهت القوات الأمنية هذه التظاهرات بعنف مفرط أدى إلى مقتل 119 متظاهراً.

وبحسب تقرير صادر من منظمة “حاضرين” التي تقدم خدمات الرعاية لمصابي المواكب، فإن فريقها العامل رصد أكثر من 7 آلاف مصاب، بينهم ما يزيد على 400 طفل، ومن بين الإصابات 955 إصابة بالرصاص، و274 حالة بطلق ناري متناثر (خرطوش)، و65 بسبب الدهس بواسطة مركبات عسكرية.

وأشار التقرير الذي يغطي الفترة ما بين الـ 25 من أكتوبر 2021 وحتى الرابع من أغسطس (آب) 2022، إلى أن تسع إصابات أدت لحدوث درجات مختلفة من الشلل، وجرى استئصال العين المصابة لـ 12 ثائراً، إضافة إلى تسجيل 50 حالة عنف جنسي.

إنهاك القوات

وكانت تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم أعلنت بشكل مفاجئ الثلاثاء تأجيل التظاهرات في اليوم نفسه إلى الأربعاء، قبل انطلاقها بساعات، عازية هذا التأجيل إلى إنهاك الأجهزة الأمنية التي اتخذت إجراءات لردع هذه التظاهرات.

وأشارت في بيان إلى أن السلطة العسكرية الحاكمة في البلاد تستعد بشكل مبالغ فيه لإيقاف الاحتجاجات السلمية المستمرة منذ وقوع الانقلاب في أكتوبر 2021.

وتابع البيان، “جموع ثوار ولاية الخرطوم الأوفياء، كنتم ولا زلتم قابضين على جمر القضية، ملبين نداء الثورة متى وأينما لبى طوال عمر الانقلاب المشؤوم الذي استمرت نضالاتكم ضده عاماً وأكثر، ولو استمر 100 عام لكنتم في الموعد”.

وأضافت، “نعي ونعلم تماماً حجم الاستعداد والصرف الذي جهزت له السلطة الانقلابية لمواجهة الثوار السلميين، ولمزيد من الضغط فقد قررنا استمرار الاستعداد للقوات الانقلابية بتأجيل مليونية الثلاثاء 22 نوفمبر لتكون الأربعاء 23 نوفمبر”.