رأي ومقالات

الخرطوم ازدانت قودا في محبة سيدي عثمان ذي الدول


قال سلطان العارفين العالم والنور الأبهر، والمحقق الأكبر، والكبريت الأحمر صاحب الفتوحات، ومؤلف المئات من الكتب والرسالات في الأدب والفكر والدين والفلسفة، سيدي محي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي إن الأسفار التي فيها مناط تكليف العبد وفيها سعادته ثلاثة هي “السفر إليه والسفر فيه والسفر من عنده” ثم تكرم – رضي الله عنه – بالشرح فقال إن من بين السفر منه ” سفر اجتباء واصطفاء كسفر المرسلين من عنده إلى خلقه ورجوع الوارثين العارفين من المشاهدة إلى عالم النفوس بالملك والتدبير والناموس والسياسة” ونسأل الله أن تكون عودة كبير المتصوفة في السودان ومرشد الطريقة الختمية، مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، الأسبوع الماضي إلى دار محبيه ومريديه والآملين فيه الخير وفلاح التدبير والسياسة، هي عودة الوارثين العارفين التي عناها صاحب الإشارات وبحر الحقائق الزاخر.

غاب مولانا عن الحضور البدني الفيزيائي عن السودان سنوات عشر لكنه كان حاضراً بشكل يومي كالعهد به منذ أن وقف أول يوم وهو ابن عقد ونصف من السنوات مترئساً افتتاح أول برلمان سوداني في عهد ما قبل الاستقلال، ومنذ ما يزيد عن السبعين عاماً ظل فيها صاحب القول والكلمة والصولجان دون أن يعنى بشيء من هذا أو يتبدل.
تبدلت الأحوال وتغيرت الأهواء وذهب حكام وعاد آخرون والموقف هو الموقف: (الوحدة والسلام) وهما أحوج ما نكون إليه اليوم. هذا ليس مستغرباً على أفراد الاسرة الختمية الميرغنية الذين “على مدى تاريخهم [كانوا] يلتزمون بالمبدأ الإسلامي حول وحدة الإسلام” وفقاً للدكتور ظافر جاسم محمد في كتابه القيم عن الختمية في السودان.
لن يكون سودان الفترة الانتقالية المتعثرة حالياً كما هو قبل العودة الزاهية لمرشد الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، وزعيم أكبر تحالف سياسي في تاريخ السودان منذ الاستقلال وهو التجمع الوطني الديمقراطي، الذي تعتبر جميع اجتهادات التحالفات السياسية الأخيرة تنويعات مصغرة عن تجربته الفريدة والمعقدة والكبيرة.
عبر مئات الآلاف من السودانيين عن سعادتهم بعودة الميرغني سواء بالحضور إلى مطار الخرطوم، أو إلى مسجد والده الإمام السيد علي رضي الله عنه، في مدينة الخرطوم بحري، أو بمئات الحضرات ومجالس الذكر ومديح المصطفى صلى الله عليه وسلم والتي انتظمت في مساجد وخلاوي الطريقة الختمية على امتداد حضر البلاد وريفها.
على الفور تغير المشهد السياسي وهناك الآن سلطان جديد في المدينة يعمل على صياغة جديدة علها تعيد الأمور إلى نصابها وتضع بلادنا على طريق الاستقرار “فلا نزال في سفر أبداً من وقت نشأتنا ونشأة أصولنا إلى ما لا نهاية له وإذا لاح لك منزل نقول فيه هذا هو الغاية انفتح عليك منه طرائق أخر” أو كما قال ابن عربي رضي الله عنه أيضاً، وكلنا أمل في أن يكون هذا السفر في رحلة الانتقال السياسي في بلادنا سفراً غانماً نعوذ فيه من وعثائه ومن كآبة المنظر فيه ومن سوء المنقلب.. آمين.
ولكن مالنا والسياسة في مقام المحبة هذا؟
هذه مقالة من كاتب مريد رزقه الله بسفر فلم يعد يصلح للسياسة أو العمل بها، أو الانشغال بمساراتها اليومية إلا من كلمة يكتبها فيعينه على نشرها توفيق من الله له الحمد والشكر، ومصداقية بذل لاستحقاقها جهداً سابقاً وعطاءً، ووسائل للنشر والاتصالات غيرت مفهوم السفر لكنه لم يخرج عما رآه ابن عربي.
***
تعرفت على السيد محمد عثمان الميرغني فور تعرفي على اسمي ونحن من فئة مخصوصة من الناس لا تستقيم مناداتها بالإسم الأول فقط، وعلمت في صغري أن والدي رحمه الله هو أيضاً محمد عثمان لكن سارت عليه عثمان في سندات الحكومة الاستعمارية ثم لحق بها مرة لقب أفندي كما كنت أقرأ في أضابير وثائقه القديمة حتى تغير الزمان.
وتعرفت على صورة السيد الميرغني وأنا بعد طفل في صالون جداي الأخوين محمد الخليفة إبراهيم، وأحمد الخليفة إبراهيم في سنكات حيث عاشا معاً كأنعم ما يكون الأخوين منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى العقد التاسع من القرن العشرين. عاشا في منزل مشترك وتزوجا بأختين عاشتا معاً وأنجبا البنين والبنات الذين تربوا في ذات المنزل على الأخوة والمحبة والطريقة الختمية.
كانت في ذلك الصالون الذي كنا نسميه المجلس صورة واحدة كبيرة للسيد علي الميرغني وهو يقف وأمامه صبيين هما نجلاه السيد محمد عثمان متعه الله بالصحة والعافية والسيد أحمد طيب الله ثراه.
في بيتنا احتفظ والدي برغم التنقلات لزم طويل ببرقية قصيرة حيث كانت تلك أحدث وسيلة للتواصل وكانت تلك البرقية تحمل تهنئة من السيد محمد سر الختم الميرغني طيب الله ثراه بمولدي. كان والدي فخوراً بتلك البرقية فقد مضى إلى ربه وهو محب للسادة المراغنة وللختمية محبة تشربها من جيلين سبقاه فأورثنا إياها.
كنت طالباً يقرأ الصحف في عهد حكومة ما بعد الدكتاتور الراحل نميري، والتي عرفت في بعض الأدبيات باسم حكومة السيدين، ولم تكن هناك صحيفة تخلو من صورة للسيد الميرغني أو من خبر عنه أو مقال يتناول بعض عمله، حتى جاءت الذكرى السنوية للشريفة مريم الميرغنية رضوان الله عليها (الحولية) وهي أحد أكبر أعياد المتصوفة في السودان والتي تقام فتتغير فيها المدينة التاريخية الصغيرة وتحتشد بعشرات الآلاف من المحبين والسواح من كل أنحاء السودان.
كان العام ١٩٨٨م، وسرى في المدينة خبر بأن السيد محمد عثمان الميرغني سيحضر الحولية وبرفقته شقيقه الأصغر رئيس مجلس رأس الدولة السيد أحمد الميرغني ووفد من حكام الخرطوم ووزرائها ووجهائها.
ذلك كان أول عهدي بالهيبة، وللسيد محمد عثمان الميرغني هيبة وحضور يعرفه كل من اقترب منه. إذا دخل مكان كان الأبهى بين الحاضرين والأقل تباهياً والأكثر توهجاً والأكبر روحاً رغم تواضع كبير لم أعهده في أبناء جيله المجبولين، ولعله يعرف مقدار هيبته بين الناس فيحاول تخفيف وقعها على جلسائه بالابتسام ولطف الحديث والقهقهات إن كان المجال يسمح، أما وإن كان المقام مقام مواجهة فقد سمعت منه لأول مرة المثل المتداول أن “وجوه الرجال خناجر” وسمعته مرة يردد ما كتبه الشاعر المصري العظيم صلاح جاهين ” يا أهلاً بالمعارك/ يا بخت من يشارك/ بنارها نستبارك/ ونطلع منصورين” والمعركة المقصودة كانت معركة مواجهة بالرأي والقول إذ أنه وطوال تاريخ الختمية، فأن هذه الطريقة لم تدخل في صراع مسلح مع أية جماعة (مرجع الدكتور ظافر جاسم محمد).
دخل موكب السيدين الشقيقين إلى سنكات بعيد الظهر بقليل وكانا يستقلان سيارة لاندروفر مميزة مكشوفة السقف حين أطلا لتحية آلاف المستقبلين الذين تدافعوا في مشهد لم أر مثله حتى الآن، وقد اعتدنا في حياة. التلمذة على الوقوف في الهجير نستقبل النميري ومعاونيه دون أن نرى صدقاً في الحفاوة كما شهدت ذلك اليوم.
في العصر حضر السيدان ووفدهما عدداً من اللقاءات وفي كل مرة كان الناس يتسابقون على الحصول على رشفة لكل محظوظ من كوب ماء قدم إليهم أو زجاجة عصير وضعت أمامهم للضيافة. لأول مرة في حياتي ولآخر مرة حتى الآن رأيت أناس يتبركون بالجلوس على الكراسي التي جلسا عليها والتمسح بسيارتهما، ويشهد الله أنني رأيت من يحمل حفنة من التراب حيث سارا أو سارت سيارتهما ويمسحه على الصدر تبركاً.
هذه أشياء لا يصلح فيها إطلاق الأحكام العاجلة والقضاء بصوابها أو خطئها فالمنصة التي يقف عليها المحبون والمريدون منصة مختلفة عمن هم على مبعدة منها بالروح والجسد. في المحبة لا تسري أحكام السائد والمتعارف وكلنا يعلم كيف تحتفظ الأمهات بقطع ملابس الأبناء المسافرين وكيف يسعد المحبون بالجلوس في الأماكن التي جلس عليها أحباؤهم.
حدثني صديق أنه زار قرية صغيرة في اثيوبيا في عقد التسعينيات الماضي وأن سيدة كبيرة في السن دعته بحفاوة إلى منزلها لتناول الطعام بعد أن عرفت أنه من السودان وقالت له إن والدي سيسعد كثيراً لرؤيتك فهو سوداني مثلك. قال صديقي أنه وجد أجيالاً من العائلة في استقباله وأن رب الأسرة الشيخ الكبير سأله كثيراً عن السودان وبكى من فرط الحنين إلى بلد لم يعد إليه منذ أن قدم منه قبل عقود من الزمان ثم نادى بنته الكبرى وطلب إليها أن تحضر له الجلباب من الداخل. كان الجلباب جلباباً قديماً من الدمور المصري لشاب صغير هو الشاب الذي كانه هذا الشيخ حين قدم إلى اثيوبيا ضارباً في الأرض بحثاً عن الرزق تاركاً الأهل والأحباء وقد احتفظ به كأيقونة لا تبلى من رائحة الوطن. هذا أيضاً سفر آخر من تلك الأسفار التي عناها الشيخ ابن عربي في رسالته (كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار).
احتفظت بتلك الصورة حتى رأيت مولانا رأي العين مرة أخرى في النصف الثاني من العام ١٩٩٧م وتشرفت بالسلام عليه وتحيته إبان اجتماعات هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي. في اليوم الأول للجلسات طلب الشيخ عمر محمد طاهر رئيس مؤتمر البجا من مولانا السماح بضمي إلى هيئة سكرتارية التجمع فوجه على الفور بذلك مدير مكتبه العميد محمد المأمون الترابي، وهو رجل ودود احتفظت معه منذئذ بمودة لا تبلى، نسأل الله أن يديم عليه نعمة الصحة والسرور. في اليوم التالي أصيب الشيخ عمر بوعكة خفيفة استلزمت غيابه عن الجلسات فأناب عنه الأستاذ الأمين شنقراي في هيئة القيادة ودخلت أنا نائباً عن شنقراي الذي كان عضواً بالمكتب التنفيذي، وهكذا حصلت على أول فرصة للحديث في حضرة مولانا في الشأن العام.
الحقيقة انني لم أبادر بالحديث ولم أطلب الفرصة حتى التفت مولانا إلى حيث جلست مع رفيقي شنقراي وطلب إلينا الحديث قائلاً “والبجا ما رأيكم؟” ثم حثنا على الكلام فتحدث شنقراي ثم تحدثت قليلاً حديثاً لا اذكره متفادياً النظر إلى المنصة لكن بعد سنوات حدثني أحد الحاضرين بأن مولانا استحسن حديثي والحمد لله.
بعد ٣ أعوام من ذلك الموقف تقدمت بطلب للانضمام للحزب الاتحادي الديمقراطي عن طريق الأخوين معتز الفحل وبكري الخليفة اللذان كنت أحتفظ معهما بصلة وثيقة وصداقة عامرة، وتم قبول طلبي وبدأت سنوات عامرة من العمل سأدخر حصيلتها لنفسي أبد الدهر ولأبنائي من بعدي، فقد كانت تلك تجربة غيرت حياتي.
انتقلت من إرتريا إلى مصر وعملت بالمكتب الإعلامي الخاص برئيس التجمع لسنوات تعلمت فيها الكثير، وقرأت فيها الكثير، واكتسبت فيها خبرات ومعارف وصداقات وتجارب ستظل منذئذ زادي في حياتي العملية والخاصة.
في تلك الفترة استمعت كثيراً إلى مولانا وأحاديثه وتصوراته وأفكاره واختياراته في المفردات والعبارات، والاستشهاد المكثف بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والمدائح الختمية، والشعر العربي، والأمثال والحكايات الشعبية ذات المغزى، وبعض العبارات باللغة الإنجليزية حسب مقتضى الحال، وللعلم فإن مولانا متحدث بارع بالإنجليزية قال عن لغته المثقف الراحل الدكتور منصور خالد إنها انجليزية ملوكية (Royal English).
كان في كثير من الأحيان لا يتحدث في بعض الأمور بشكل مباشر لكنه يطلق الأشائر (الإشارات) ويرد تلميحاً بعبارة يتلقفها الحاضرون فيفهمونها أو يستفسرون بعضهم البعض عنها لاحقاً. سأروي هنا واقعة ضمن حكاية انضمامي للحزب الاتحادي الديمقراطي فقد التقيت بعد تقديم طلبي والموافقة عليه برئيس الحزب مولانا، الذي رحب بي وقال إنه يقدر رغبتي ويستجيب لها وإنه يعرف أهلي ويقدر انتماءهم، ويتمنى أن تتفهم قيادة مؤتمر البجا هذه الرغبة فلا تعترض عليها، ثم دعا لي بالتوفيق وقال عبارة خارج السياق هي “وألزم في البعض الكتمان” وهي مقطع من إحدى مدائح الختمية الشهيرة.
أدركت أنه يريد مني عدم الحديث للإعلام عن انتمائي وأنه يفضل أن انتقل بهدوء وألا أنخرط في عداء مع رفاق الأمس كما هو ديدن الخارجين من أحزابهم السياسية. هكذا كان مولانا حريصاً على إرضاء جميع الأطراف وهذا هو منهجه وحين جاء الوقت المناسب أذكر انني تحدثت إلى صحيفة الخرطوم معلناً عن انتمائي السياسي الجديد، واحتفظت في ذات الوقت بعلاقتي الرفاقية الوثيقة مع قادة ومنتسبي مؤتمر البجا حتى تركت العمل السياسي الحركي وهاجرت.
ذات مرة حدثه محدث عن سياسي كان يساوم النظام في الخرطوم وأنه يقترب حسب معلومات محددة من الالتحاق به، وإنه حريص على مغنم مالي، ولم يعلق مولانا ودار حديث آخر عن قضايا أخرى ثم تلا مولانا “فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون” وشهدنا تجليات هذا الترتيب على الشخص المعني إذ أنفق ما ناله من مغنم ثم انقلب الأمر عليه حسرة ثم غُلِب.
كان والدي صديقي الأعز وكان فخوراً بي إذ عرف أنني اقتربت من حضره شيخه وكنت أحدثه كثيراً عن مولانا واعزازه لأهل الشرق وأهل سنكات على وجه الخصوص. ظل مولانا يسألني كلما حانت المناسبة عن سنكات وأحوال أهلها وهو يسميها كعادة أهلها تمليحاً باسم (أوكاك) وفي آخر مرة تشرفت فيها بلقائه والسلام عليه في أبريل الماضي بالقاهرة سألني عن تغير الأحوال في المدينة، وعن منشآت الحكومة الجديدة، ومواقعها ومسار الخور الأول والثاني في المساحة بين سنكات وجبيت، وهل أثرت هذه المنشآت على مسارات المياه والمراعي؟
في أحد اجتماعات التجمع الوطني حين تحدث أحد الأعضاء بطريقة لم يرض عنها عن شرق السودان خاطبه غاضباً وبلغة حاسمة “أنا شرق السودان.. وهاش هاشون” هكذا بلغة البداوييت وكان في مناسبات عديدة يعرب عن استيائه من تصرفات بعض الساسة المحليين الذين يتجاهلون قضايا المنطقة ويسعون من أجل المكاسب الشخصية ويسميهم “ردق هريو” بالبداوييت أيضاً وتعني المتسولين!
إنني أتطلع إلى أن تسمح الظروف الحالية لمولانا بزيارة لمدينته الأثيرة بعد غياب زاد عن العشرة أعوام، لعل الله يجري على يديه الخير فالمدينة بعد ما يقارب السبعين عاماً من الاستقلال وبالرغم من النمو والعمران لا تزال بلا كهرباء ولا شبكات هواتف محمولة جيدة ولا إنترنت يعتمد عليه.
***
إنني في مقام المحبة هذا أكتب بكثير من الامتنان والتقدير والعرفان لمولانا السيد على كثير من المواقف إذ كان حاضراً دائماً في تهنئتي بزواجي وقد نلت وزوجتي الإكرام في داره العامرة، وكان حاضراً بدعواته الصالحة وتهانيه الرقيقة في ميلاد أطفالي وفي هذا قصص ومشاعر خاصة أعتز بها دائماً.
حين مضى والدي إلى رحمة الله في أغسطس من العام ٢٠٢٠م، كنت محتجزاً وحيداً في منزلي بسبب القيود التي فرضت على العالم إبان وباء الكورونا، وكانت عائلتي محتجزة هي الأخرى في فندق بدولة أخرى ظلت فيه لشهرين كاملين بسبب توقف حركة السفر. في ذلك اليوم عرفت معنى اليتم وأن الرجل الكبير مثلي يبكي حين يموت أباه حتى جاءني هاتفه المواسي. دعا مولانا لوالدي كثيراً بالرحمة والمغفرة وكلفني بحمل تعازيه وكلمات المواساة الصادقة إلى أعمامي وأهلي واعطاهم الفاتحة المباركة.
أنا مدين على المستوى الشخصي والعائلي بكثير من الفضل لمولانا، وأنني إذ أكتب هذا اعترافاً بالفضل والمحبة وليس شكراً – الله ما يجيب يوم شكره- فإنني اشعر بفخر لا يخفى بأننا نعيش عصر مولانا الميرغني وأن الرجل الكبير الذي ما انفك يعطي هذا البلد قادر على العطاء للأفراد مثلما هو قادر على العطاء للجماعة، وإن كانت ثمة حكاية صغيرة فإنني أريد أن أقص أنه في حوالي العام ٢٠٠١م قرر الحزب الاتحادي الديمقراطي تقليل وجود عضويته في العاصمة المصرية القاهرة ونقل مجموعة من كوادره للعمل من داخل السودان.
أعرب بعض من تقررت اعادتهم عن استيائهم من القرار والحرص على البقاء في القاهرة. من بين تقررت عودتهم كنت وقد استدعاني الأمين العام لمجموعة عمل الحزب بالخارج الأستاذ الراحل فتح الرحمن شيلا إلى مكتبه بالقرار سائلاً عن رأيي فقلت له “أنا مستعد للسفر إلى السودان أو إرتريا أو إن شئتم إلى نيجيريا والأمر رهن اشارتكم”. سعِد الأستاذ شيلا، رحمة الله عليه، بإجابتي وأبلغ بها مولانا الذي حدثني في المساء نفسه حديثاً طيباً ومشجعاً ظل زادي منذ تلك السنوات. كان مولانا في زيارة للمملكة العربية السعودية وتم استدعائي لمكتبه في القاهرة في المساء لألقى صوته عبر الهاتف للمرة الأولى وأبلغني بأنه قرر استبقائي في مكتبه وقال كلاماً طيباً عني وعن اهلي وعشيرتي وموطني، وأضاف إننا نقدر التزامكم ولن نخذلكم أبداً ولم يخذلنا فقد كانت هجرتي وعودتي وهجرتي والكثير من أعمالي بدفع منه وسند، وحين انتقل التجمع من المعارضة إلى الحكومة عين عمي الدكتور حامد محمد إبراهيم وزيراً في أول حكومة بعد توقيع اتفاق سلام القاهرة.
كان بودي ان أكون في رفقة مولانا للعودة إلى السودان، وكان بودي أن أكون في استقباله في وطنه مع المستقبلين لكن جميع الخلق في سفر كما قال ابن عربي رضي الله عنه، فليس بوسعي الآن سوى كتابة قاصرة وبعض خواطر تقول مع الشاعر الخالد حميد:
أهلاً بيك يا زين يا طيِّب … يا حَبُّوب للظَن مابْخَيِّب
يا المبروك كُلْما انتَ قِرَيِّب … فالْنا مطيرةْ خير وهِبَيِّبْ
نَدَّت حالنا الطَوَّل كاتِم
جِيدْ بي جيتَك عُودَة وفُودة … يا تُو طيوراً تنسى بِلُودا
زي ما مكة اتْلَفُّو وِفُودا … الخرطوم ازدانَتْ قُودا
عديلة مَنَفَّل يا ابن “الخاتِم”
* عثمان ذي الدول، اسم أورده المادح الأعظم للأسرة الميرغنية الختمية، الخليفة محمد عثمان ود المتعارض، في قصيدة يتنبأ فيها بمولد السيد علي ويعتقد الكثير من خلفاء الطريقة أن ذا الدول المشار إليه هو مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، أدام الله ظله الشريف ونفع به وبعطائه

محمد عثمان إبراهيم