رأي ومقالات

دكتور ياسر أبّشر يكتب: يا حليلك يا البِتتريّح بالكلونيا


سبق أن قصصت لكم قصة ذلك الوارث العاطل، الذي ظل يأكل ميراثه من أبيه يعيش عليه، وأنه كان يذهب للسوق منتصف النهار لشراء ما لَذّ وطاب ثم يعود لبيته.. وذكرت لكم أنه لما مات رجل عظيم في القرية، كثر بواكِيه، وأوغلت النساء «يمَنِّحَنْ» ويُعددنَ مآثره.. والتفت رجل حكيم للوارث العاطل الذي لا تُذكر له مأثرة قائلاً:
انت كان مُتَ النسوان ديل يبكن يقولن شنو؟؟ يقولن: يا حليلو البمشي السوق الساعة اطناشر، ويا حليلو الكان بتريّح بالكلونيا!!!
حكمنا عبود، وحكمنا النميري ثم سوار الدهب وأخيراً حكمنا البشير.. أقام كل من عبود ونميري والبشير صروحاً، وأنشأ معالم تنموية لا ينكرها إلا مكابر.. ثم اشترك معهم سوار الدهب في المحافظة على بيضة الوطن، فلم يقوَ عميل أو أجنبي على النّيلِ منه.. حفظوا سودان أولاد البلد بكل تراثه وقيمه ودينه وثقافته.. فأبقوا مآثر Legacy» « يذكرها الناس.. وكانت لكل منهم شخصية مميزة واضحة المعالم والسّمت والسِّمَات.. والأهم أنهم إلى حدٍّ كبير أبقوا مؤسسات الدولة قائمة، وقووا بعضها.
وكما أعلم وتعلمون، فإن الزعيم الحق هو الذي يجعل الناس يثقون فيه، ويجعلهم يثقون في أنفسهم.
ولا تتأتى الزعامة الحقيقية لإنسان تتعدد شخصياته، وتتغير وجوهه، وتتبدل أقواله، وتتلون مواقفه..
والسودانيون خاصة لا يحبون هذا الضرب من البشر.
اعترف البرهان في لقائه المبذول في ( الجزيرة ) مع المسلمي الكباشي أنه كان بعثياً واشترك في انقلاب البعثيين عام 1990. وتحدث ضباط كبار في الجيش أن الذي أنجاه من الإعدام هو أنه كان مصدراً لإبراهيم شمس الدين.
اعترف البرهان بانتمائه البعثي، وحيّا الانقلابيين البعثيين الأبطال (هكذا قال).. والآن يتحدث، دون أن يطرف له جفن، عن أن الجيش لا حزب له ولا يوالي أي جهة.
وبعدها رأيناه يسبح بحمد المجاهدين والدفاع الشعبي، ثم يصبح معتمداً في نيرتتي، وظل يهتف بهتافات الإسلاميين حتى 2018، وتقرّب من البشير إلى أن رفعه لرتبة الفريق أول، وهي رتبة لا ينالها ألاّ ذو حظٍّ عظيم!!!
وذهب البشير، وأصبح هو قائد الجيش، فانحدر لمستوى مخاطبة «ناس الرصّة، الراستات والسانات والناس الوقفت قنا»!! يتقرب للدهماء والرجرجة والسوقة، الذين كانوا وقود وضحايا وطُعمة مدفع » Cannon Foder «للقحاتة في المظاهرات التي أطاحت بالبشير.. وقلب ظهر المِجَن للإسلاميين الذين كان يسبّح بحمدهم!!
ووالى قحت، ثم نفض يده من قحت، وقال: إنه لا يتشرف بالجلوس معهم، وضرب عنهم صفحاً لأمد.
سَبّه هؤلاء، وتوعدوه بالسجن، وسبوا شرطتنا وجيشنا الذي يقوده هو، وانتهكوا كرامته وهيبته.. وأبدى غضبه لأمد وجيز، ثم تقرّب منهم يبتغي لديهم الوسيلة.
نعم ما لَبِثَ أن طفق يلتقيهم سِرّاً، واعترف بذلك، قائلاً: إنه لَمِسَ منهم نفس الوطنية «العندنا نحنا»!!!
ثم قال: إنه لن يسلم الحكم للذين شاركوه في الفترة السابقة، وإنه عرف نواياهم، هكذا قالها حرفياً، ويعني قحت – المركزي.
وأعلن أن الجيش انسحب من العملية السياسية، وأنه منتظر التوافق.. وظللنا منتظرين الآن بلا حكومة لأكثر من عام، وبلغ سيل الفشل والفوضى الزبى، لكنه ظل يلتقي قحت الأولى ويفاوضها.. وفاجأنا بعد قليل بقوله: إنه «تمت تفاهمات» بينه وبينهم ونعتهم بأنهم: «ناس واعين، وناس وطنيين»، رغم أن المعلن أنه انسحب من العملية السياسية!!!
بعد الانقلاب على البشير أعلن قيام انتخابات بعد 6 أشهر، وثبت بعد ذلك أن ذلك التصريح يمكن أن يروح ويُبتلع ويؤكل كما أكل الدودو والتمساح «شليل».
وضاق الناس بتدخلات ڤولكر، وهدد البرهان بطرده، لنكتشف أن الدودو لا زال يأكل شليلاً!!! وأن كلام الرؤساء يمكن أن يذهب أدراج الرياح.
يحدث هذا من رجل تَسَنّم قيادة بلد يقول أهله:
«الراجل بمسكوه من لسانو»!!!
وهكذا شهدنا للرجل وجوهاً متعددة، وتناقضات تجل عن الحصر، وتصريحات لا تَلْبَثُ أن تتغير، ومواقف تتبدل كل حين.
سمعت المرأة العجوز تقول له في فيديو: «انت راجل التابا».. وخاطبته الصحفية تطلب منه أن «يكرب قاشو»، لا بل قالت: إنه بلا قاش!!!
يحدث هذا في بلد تُمَجّد نساؤه الزعيم الذي لا يخضع لخواجة، فهُنّ يحببن عاشميق الأصم، كسّار قلم ماكميك.
بلد يفهم متعلموه أن الرجل الحق هو الذي يتمثل مقولة الخواجة، تلك التي كتبها بروفسر محمد عبد الله الريح بالإنجليزية، دفاعاً عن البشير لدى اتهام المحكمة الجنائية للبشير:
«When the going gets tough, the tough get going»
ويحبون أن يكون قادتهم هكذا.
خلال فترة حكم البرهان وقعت مظالم عديدة، وانهار الاقتصاد، وتدهورت الخدمات، وفُقد الأمن، وانتُهكت هيبة الجيش، لكن الرجل ذو النُسخ المتعددة لم يُظهر ما يؤكد أنه حتى منزعج من كل هذه الكوارث، بل أظهر بروداً مُحيّراً.
رأينا من قائدنا نسخاً كثيرة لكننا لا ندري ما هي «النسخة المعتمدة»؟!
شهدنا من الرجل نسخاً متعددة..
لكنه لم يترك لنا مأثرة نذكره بها سوى أنه «بمشي السوق الساعة أطناشر وبتريّح بالكلونيا»، في كل نسخة من نُسخِه.
ياسر أبّشر