حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي يكتب: قوى الثورة وحديث حميدتي الأخير


من المفارقات التي لاحظتها بعد ادلاء حميدتي لحديثه الأخير، الذي قرظ فيه الثوار وامتدحهم، وأعلن انحيازه للثوار وللتسوية الجارية، وهاجم بشدة السلطات (التي هو رجلها الثاني) لسماحها بوصول بعض المتظاهرين للقصر، في حين ان ذات السلطات ظلت تمنع منذ انقلاب 25 أكتوبر (هو احد قادته) المحتجين على الانقلاب من الاقتراب من القصر، لدرجة أنهم يموتون من أجل تلك الغاية، معتبرا ان السلطات لديها (خيار وفقوس) وتمارس التمييز والفرز ما بين متظاهرين ومتظاهرين..لاحظت بعد حديث حميدتي المذكور، ان قوى الثورة انقسمت حياله الى فريقين، فريق رفضه جملة وتفصيلا وعده مجرد مناورة ولولوة ومحاولة للهروب الى الأمام، وفريق استقبله باستحسان رغم عدم وثوقهم فيه، وقد ذكرني موقف هذا الفريق الأخير بحكاية شيخ العرب أبوسن مع أحد الاعراب.. حكاية شيخ العرب أبوسن، تروي عن انه بعد أن أطلق الخليفة عبد الله التعايشي سراحه من السجن الذي حكم به عليه، جعله يبيع الحطب في أم درمان، وبعد أن رجع شيخ العرب الى دياره وأهله، لم يتخل عن عاداته، ولم تتخل عنه مكانته العالية كشيخ وزعيم، فأبواب داره ظلت مفتوحة كالعادة للكل. وقيل أن اعرابيا بسيطا ظل يتردد على دار الشيخ فيستقبله الشيخ، والاعرابي في كل مرة يبشر شيخ العرب (والله صاحبك يا شيخ العرب خلاص نهايتو قربت، الانقليز جوهو من الشمال والفرنسيين من الغرب وخلاص قرب تب) ويقصد الخليفة عبد الله التعايشي، فيبتهج شيخ أبوسن من كلام الاعرابي وينادي بأعلى صوته أحضروا الطعام أكرموا الرجل، فيأكل الاعرابي ما لذ وطاب ويذهب، ولا تمضي أيام الا ويعاود الكرة ويقول للشيخ مرة أخرى (والله يا شيخ العرب صاحبك خلاص نهايتو قربت الى آخر الموال اياه)، ومرة أخرى ينشرح صدر الشيخ ويأمر له بالطعام، وكان للشيخ أبوسن شقيق تضايق من تصرف هذا الاعرابي، فقال للشيخ ياشيخ الاعرابي دا كضاب وأنت تعرف أن الخليفة عبد الله يمسك بتلابيب الحكم ولا خطر عليه، وأن الاعرابي هذا منافق وكذاب، فقط يأتي من أجل الأكل والشراب، فرد عليه شيخ أبوسن (أنا عارفو كضاب بس كلامو حلو). ومن لطائف الخليفة عبد الله نفسه، أنه جمع مرة مخنثي المدينة الذين كان الامام المهدي حرمهم من مخالطة الناس وعزلهم في حي مقفول (كرنتينة)، وتبادل معهم الخليفة الحديث، وعندما وقف على مدى رقتهم ووداعتهم وكلامهم الحلو الطاعم، ولم ير فيهم خطرا على الحكم، وانما هم مجرد عصاة في حق أنفسهم فقط، ولا يشكلون خطرا على أمن الدولة، أمر لهم بعطايا وودعهم قائلا (والله انتو يا الطاعمين كلامكو حلو الا فعلكو شين).. والمرحوم محمد ابراهيم نقد السكرتير السابق للحزب الشيوعي، معروف عنه البساطة مع العمق في الكلام والمقدرة الفائقة على ابلاغ رسالته الى مختلف المستويات. قيل إنه كان مرة يعلق على الموازنة المطروحة للتداول أمام البرلمان، وكانت الجلسة مذاعة من الراديو على الهواء، وكان أحد الشيوخ يمسك بمسبحته يؤدي ورده بعد أن أدى الفريضة لتوه، وكان من جهة أخرى يتابع حديث نقد المحكم المرتب العميق والبسيط الذي كان يدلي به بدارجة سودانية مفصحة، وعندما أنهى حديثه قال الشيخ معلقا (والله كلامو حلو، كلام عقل وكلام زولا فاهم شديد، بس عيبو الوحيد انو شيوعي)..وعودة الى حكاية شيخ ابوسن مع الاعرابي، نتساءل هل تنطبق مقولة شيخ ابوسن في الاعرابي الذي كان يطمئنه بكلامه الحلو على كلام حميدتي، أم ان حميدتي جاد هذه المرة ويلتزم تماما بقوله، أم سينتكس ويعود ل(اللولوة) مرة أخرى، هذا ما ستجيب عنه الايام القادمات..

صحيفة الجريدة