رأي ومقالات

اتفاق السودان السياسي بين مخاوف الإغراق واتهامات الإقصاء

اتفاق السودان السياسي بين مخاوف الإغراق واتهامات الإقصاء
الشكوك تتجدد في شأن انتكاسة جديدة لحل أزمة البلاد

جمال عبد القادر البدوي
ما إن تم الفراغ من مراسم توقيع الاتفاق السياسي الإطاري حتى انفتح باب الجدل حول مقتضيات توسيع قاعدته الجماهيرية وصولاً إلى الاتفاق النهائي، الذي من المنتظر أن يحسم ارتباكاً وأزمة سياسية طال أمدها، إذ سرعان ما سيطرت على الساحة السياسية استفهامات حول كيفية ذلك التوسيع القاعدي، خصوصاً بعدما أعلن المجلس المركزي لـ”قوى الحرية والتغيير” تلقيه عشرات الطلبات من أحزاب وكيانات وتكتلات سياسية وفئوية قاربت نحو 60 كياناً، ترغب في الانضمام للتوقيع على الاتفاق، معلنة عدم رغبتها في إغراق الاتفاق بقوى لا تؤمن بالتحول الديمقراطي ومبادئ ثورة ديسمبر (كانون الأول)، كما أثار الإعلان موجة تساؤلات في الأوساط السياسية حول معايير الانضمام ومن يمتلك حق الرفض أو القبول في ذلك.

الانضمام المشروط

أكدت مصادر بالمجلس المركزي للحرية والتغيير، أن باب التوقيع على الاتفاق يظل مفتوحاً، لكنها أوضحت أن ذلك يقتصر حتى اللحظة على ما سماه بقوى الثورة، وقوى الانتقال وأطراف العملية السلمية، إلى جانب إمكانية انضمام الأحزاب والقوى المؤمنة بمبادئ ثورة ديسمبر وبالتحول الديمقراطي. ونفت أن يكون التحالف وبقية الموقعين على الاتفاق يحتكرون أو يمارسون إقصاء لأي حزب أو جهة سياسية، لكنها أكدت في الوقت نفسه، أنه لم يتحدد بعد من يحق له الالتحاق بالاتفاق الإطاري، غير أن الإعلان السياسي الذي طرحته الحرية والتغيير حدد تلك القوى في قوى الثورة.

وأضافت المصادر أن “المكتب التنفيذي للتحالف شرع بالفعل في خطوات ما بعد التوقيع من حيث التشاور مع كل القوى الثورية، بما فيها لجان المقاومة ومعايير القوى المقبول توقيعها على الاتفاق ووضع ترتيبات الملتقيات والمنتديات وورش العمل والمؤتمرات الخاصة بمناقشة قضايا العدالة الانتقالية، وإصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية، وتقييم وتقويم اتفاق سلام جوبا، وتفكيك تمكين نظام الـ30 من يونيو (حزيران) 1989، وقضية شرق السودان لتصبح جزءاً من الاتفاق النهائي.

لا إقصاء ولا إغراق

في السياق أكد الأمين العام لحزب الأمة القومي والقيادي في المجلس المركزي الواثق البرير، أن “رغبتهم في توسيع قاعدة المشاركة السياسية وعدم إقصاء أي طرف لا تعني إغراق العملية السياسية بواجهات تمثل قوى غير داعمة للتحول الديمقراطي ولا تخدم أهداف الثورة والاتفاق”، وأشار إلى أن “الراغبين في الانضمام إلى الاتفاق سيكون متاحاً لهم التوقيع على مشروع الدستور الانتقالي وليس على الاتفاق الإطاري”.

في الأثناء أثار الحديث الذي أطلقه رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة الفريق عبدالفتاح البرهان، أثناء مخاطبته ختام مناورات رايات النصر (4) بقاعدة المعاقيل العملياتية بولاية نهر النيل نهاية الأسبوع الماضي، مخاوف قوى الحرية والتغيير من انتكاسة العملية السلمية، إذ نفى وجود تسوية سياسية بالمعنى الذي فهمه بعضهم، ووصف ما تم من اتفاق بالقول، “هي نقاط تم طرحها نرى أنها يمكن أن تساعد في حل التعقيدات السياسية الراهنة لمصلحة كل السودانيين من دون إقصاء لأحد”.

شكوك التراجع

وأكد البرهان أنه لا ينبغي أن تحاول أية جهة أن تختطف هذا الاتفاق لمصلحتها الذاتية من دون الآخرين أو أن تسعى إلى اختطاف السلطة من جديد، مشدداً على أن القوات المسلحة لن توافق في مرحلة الاتفاق النهائي على أي بنود يمكن أن تنال من ثوابت البلاد، وتتطلع أن تقود العملية إلى حكومة مستقلين تستطيع أن تنقل البلاد نقلة حقيقية إلى الأمام.

وأعلن عدم ممانعة القوات المسلحة من أن تعمل تحت إمرة حكومة شرعية ومنتخبة يختارها الشعب طبقاً لانتخابات حرة وشفافة في المستقبل، وأنها ستتعاون حالياً مع القوى السياسية لاستعادة التحول الديمقراطي، شريطة ألا تحاول أي منها اختطاف المشهد السياسي لوحدها.

في المقابل اعتبر القيادي بالمجلس المركزي للحرية والتغيير، ورئيس الحركة الشعبية (شمال – التيار الثوري) ياسر عرمان، حديث البرهان الأخير يشكل تراجعاً عن الاتفاق الإطاري ومحتوى العملية السياسية، وإعادتها من جديد إلى ما قبل الاتفاق، بإعلانه تدخل الجيش في تشكيل الحكومة المدنية التي ستكون ذات سلطة كلية بعد الانتخابات، لافتاً في تغريدة على حسابه في “تويتر” إلى أن الاتفاق حدد بدقة الأطراف المدنية ودورها بموافقة العسكريين.

اتهام بالاحتكار

وكان رئيس حزب الأمة ورئيس تحالف ميثاق التراضي الوطني مبارك الفاضل المهدي أول من أعلن الرغبة في الانضمام بالتوقيع على الاتفاق الإطاري، لكن الرد جاءه ببيان من حزب الأمة القومي بأن توسيع المشاركة لا يعني إغراق الاتفاق.

لكن الفاضل، الذي شارك في تقاسم السلطة مع النظام السابق بمنصب نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار، ثم تخلى عن النظام عقب الاحتجاجات الشعبية التي أطاحته، قال إنه دفع بطلب رغبته في التوقيع إلى كل من المكون العسكري والرباعية والآلية الثلاثية، باعتبارها من تقرر القبول أو الرفض وليس تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي).

واتهم رئيس ميثاق التراضي، في حديثه لـ”اندبندنت عربية”، ما وصفها بمجموعة صغيرة من الأحزاب لا تتجاوز الأربعة لم يسمها، تقلصت إلى ثلاثة بعد انسحاب حزب البعث العربي الاشتراكي منها، بأنها هي التي تسعى إلى احتكار العملية السياسية على رغم علمها أن ذلك غير ممكن بحكم تجربتها الفاشلة من قبل. لذلك بحسب الفاضل، “ثارت مخاوفهم من توقيعنا على الاتفاق لأننا أقدر منهم، مما تسبب في ارتباكهم خشية أن نسحب منهم البساط”.

لفت الفاضل، إلى أن حديث البرهان في لقائه الآلية الثلاثية وخطابه الأخير نهاية هذا الأسبوع أكد أن الاتفاق السياسي الإطاري لصالح كل السودانيين من دون إقصاء لأحد، ولا يحق لأية جهة أن تختطفه أو تجيره لمصلحتها الذاتية من دون الآخرين.

انسلاخ البعث

على الصعيد ذاته وعلى خلفية توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، أعلن حزب البعث العربي الاشتراكي انسلاخه عن تحالف قوى الحرية والتغيير واتهامه بالمضي في طريق المصالحة وشرعنة انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

وأضاف في بيان عزمه على تدشين الجبهة الشعبية للديموقراطية والتغيير بهدف توحيد وتنسيق جهود القوى السياسية والاجتماعية في حراك ثوري سلمي وتصعيد الانتفاضة وصولاً إلى الإضراب السياسي والعصيان المدني.

من جانبه الباحث السياسي الرشيد إبراهيم إن “كثيراً من مجريات وشواهد المشهد السياسي تشير إلى أن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه تكتيكي أكثر منه استراتيجياً، بمعنى أن هناك تصورات مسكوت عنها، وتفاسير أخرى لنصوصه كأنما يبدو أن هناك اتفاقاً خفياً آخر تحت الطاولة، فضلاً عن أنه بات واضحاً أن الرغبة الخارجية في التوصل إلى الاتفاق بشكله الراهن كانت أكبر من الرغبة الداخلية”.

ولفت إبراهيم إلى أن “طلبات الانضمام للاتفاق تعتبر اختباراً حقيقياً لصدقية شعارات تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، إذ إن العقل والمنطق يقولان إن كل من يؤمن بفكرة الاتفاق هو بالضرورة إضافة له لأن حق المواطنة الدستوري لا يمكن أن يخضع للتصنيف، كما جرت الأعراف بأن حق الالتحاق بالاتفاقات عموماً أمر متاح لكل من يؤمن بالمبادئ من دون اختبار لها”.

لمن الكلمة؟

يسأل إبراهيم “إلى من تقدم طلبات الرغبة في التوقيع والانضمام إلى الاتفاق، هل الآلية الثلاثية راعية للاتفاق أم المكون العسكري أم المجلس المركزي للحرية والتغيير؟ وهي النقاط التي صمت عنها الاتفاق”، مضيفاً أن “الحرية والتغيير ثبت أنها لم تكن هي كل الشارع، بالتالي ليس لها الحق الحصري بقبول أو رفض الآخرين”.

يشير إلى أن الانشقاقات التي تبعت التوقيع داخل التحالف وانشقاق حزب البعث عنه، يقدح في مدى قدرة الاتفاق نفسه على الحل، كما يكشف عن أن المشكلة ليست في المكون العسكري وحده، بقدر ما هي أيضاً بنظيره المدني في تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، الذي يبدو كأنه ضد وحدة القوى المدنية.

الاتفاق الإطاري السوداني… حدود الممكن وردود الفعل
يرى إبراهيم أن التسوية السياسية باتت من جديد أمام مفترق الطرق، خصوصاً بعد تأكيدات البرهان أن الاتفاق الذي تم ليس ثنائياً ولا ينبغي أن تنفرد به جهة من دون الآخرين ما يعتبر اختباراً فعلياً للديمقراطية، معتبراً أن انضمام أوسع طيف لتمثيل كل السودان يفترض أن يكون أحد المكاسب الكبيرة لتقوية الاتفاق نفسه لا العكس.

الإغراق والغرق

على صعيد متصل ذهب الكاتب السياسي عثمان ميرغني في مقالة، إلى أن “الحديث عن عدم السماح بإغراق الاتفاق بأحزاب لا تؤمن بالانتقال الديمقراطي هو المسلك الذي سيغرق الاتفاق نفسه في جوف الجب فلا تقوم له قائمة لأن التعويل على تمييز المكونات السياسية وتصنيفها ببطاقة حمراء وصفراء وخضراء لا يخضع إلى معيار موضوعي”.

يرى ميرغني أن مصير الاتفاق الإطاري محكوم بتحقيق أعلى إجماع عليه لأنه محض إعلان مبادئ بصيغة عمومية قابلة للتأويل والتفصيل في الاتفاق النهائي، وهو لا يخرج البلاد من أزمتها السياسية إلا بوصوله إلى محطة الاتفاق النهائي، فإذا ضاق قطاره الآن عن حمل الأحزاب والمكونات السياسية قد تتسع فرص عرقلته بالقوى التي تجد نفسها مضطرة إلى أن تكون في مواجهته”.

ودعا إلى الاستفادة من أخطاء الماضي القريب قبل البعيد في تجربة قوى الحرية والتغيير بعد انتصار الثورة التي حاولت فيها بعض القوى السياسية الاستئثار بالقرار، وتفصيل الملعب على قدر لحافها، فكانت النتيجة سقوط الحكومة المدنية برمتها. ويرى أن “من الحكمة أيضاً أن يجمع الاتفاق الإطاري أكبر طيف سياسي، فما تبقى من الطريق إلا توقيع الاتفاق النهائي ثم تشكيل الحكومة المدنية، هضاب وعرة تحتاج إلى التآزر لا التباعد”.

يذكر أن كلاً من قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وعدد من الأحزاب والتنظيمات والتجمعات المهنية والحركات المسلحة وقعت اتفاقاً سياسياً إطارياً مبدئياً مع المكون العسكري الإثنين الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تمهيداً للاتفاق النهائي الذي يفتح الطريق لتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الأزمتين السياسية والاقتصادية المستفحلتين بالسودان منذ انقلاب قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، على السلطة المدنية الانتقالية التي تشكلت بموجب وثيقة دستورية للشراكة بين العسكريين والمدنيين عقب إطاحة نظام الرئيس عمر البشير في 2019.

إندبندنت عربية