منى ابوزيد

منى أبو زيد تكتب : شجرة وعي..!

“قيمة الإنسان شجرة وعي، والديمقراطية أهم عناصر تمثيلها الضوئي”.. الكاتبة..!

أعيد اليوم نشر المقال التالي، الذي كتبته قبل نحو ثلاث سنوات من اندلاع هذه الثورة، أي قبل نحو ست سنوات من وقوفنا اليوم على أعتاب اتفاق نهائي يتكلل بتشكيل حكومة مدنية على رأسها رئيس وزراء متفق عليه..!

لا بد من إعادة النظر في فهم تعاليم الإسلام وفق مقاصده الحقيقية، وليس وفقاً لبعض التصورات المحدودة، فالإسلام لا تستوقفه الشكلانية بقدر ما يحتفي بالمضامين. عند هذا الفهم المتقدم يلتقي مهاتير الماليزي بأردوغان التركي الذي يقول “إنه مسلم – أي نعم – لكنه رئيس دولة علمانية يدعو المسلمين العرب إلى مبادئ الدولة المدنية”. فالعلمانية الحديثة – بحسب كليهما – ليست معادلة رياضية، بل مفهوم اجتماعي يعول في نهوضه على خصوصية كل شعب، ويحافظ على مسافة مقدرة متساوية مع جميع الأديان، حيث يتم فصل سياسة الدولة عن مُعتقدات الحكام، وليس “فصل الدين عن الحياة”، كما يُردِّد مُعظم المتشددين..!

معظم الكتابات الإصلاحية في السودان تحدثت عن نجاح السيد مهاتير في تطوير اقتصاد بلاده باحتفائيات داوية، وناقشت فشل الانقلاب على أردوغان في تركيا بذات المصطلحات. وهو كلام صحيح لولا أنه غير دقيق – في تقديري – ولكن لا تثريب عليها. فالتاريخ السياسي للمجتمعات العرب إسلامية يدور في مجمله حول نجومية الأفراد وكاريزما الشخصيات القيادية، في ظل غياب المؤسسات السياسية، وتاريخ الشعوب العربية مع مقاومة الاستعمار حافل بحكايات الأبطال المُخلصين الذين قادوا ثورات الإصلاح والتجديد السياسي لكن معظمهم وقفوا حائرين عند منعطف الريادة السياسة والنهضة الاقتصادية..!

لماذا وقفوا؟. لأن الريادة في مضمار السياسة والنهضة في مجال الاقتصاد – بكل صراحة وبمنتهى البساطة – هي عمل استراتيجي، جماعي، لا يحتمل بطولات مسرح الرجل الواحد، على العكس تماماً من تاريخ التجربة الماليزية التي لعب فيها مهاتير محمد دور حامل الشعلة – وليس مشعلها – لكنه القائد الأكثر حرصاً على تسليمها – وهي – أكثر اشتعالاً. وعلى العكس – أيضاً – من تاريخ التجربة التركية التي عولت في نهوضها على عظمة الأفعال لا نخبوية الفاعلين..!

فالرجلان وإن كانا حجري زاوية، وواسطتي عقد، وزعيمي أمة “انتقلت بلادهما في عهديهما من دولة زراعية فقيرة إلى دولة صناعية يُشار إليها بالبنان كما هو الحال مع ماليزيا. ومن دولة مقيدة بديون وسياسات المجتمع الدولي إلى دولة تترأس قمة العشرين ذات يوم كما هو الحال مع تركيا”، إلا أنّهما ليسا بطلين مُخلصين أو صانعي معجزات بالمعاني النمطية الغالبة على أطروحات الإسلام السياسي..!

فتاريخ ماليزيا وتركيا يُؤرِّخ للبنات قوية قامت على أساسها نهضة اقتصادية، والتطور الكبير الذي حدث في عهد مهاتير وأردوغان كان بفضل سياساتهما الحكيمة والذكية – أي نعم –، إلا أنّ نجاحهما لم يكن ليتحقّق لولا وجود بيئة مُهيأة، ولم يكن ليستمر لو لم ينهض على تأسيس ما يضمن بقاءه من بعد ذهاب مهاتير وأردوغان ومجئ غيرهما..!

التجربتان التركية والماليزية أصبحتا مثالين يُحتذى بهما، والفضل يرجع إلى التخطيط الاستراتيجي، وثقافة تسلم شعلة الإصلاح وتسليمها بعدالة وشفافية ومسؤولية.. الأمر الذي نفتقده – بطبيعة الحال – حيث يتحاشى حُكّامنا وأبطالنا المُخلصون الخُطط الاقتصادية بعيدة المدى، ويُشجِّعون المشاريع التي يسهل قص شرائطها المُلوّنة بأيديهم. فيؤدون بذلك أدوار البطولة في “مسرح الرجل الواحد”. أما مهاتير محمد ورجب طيب أردوغان فقد كانا “حاملي شعلة”، والسر في تتويجهما بطلين هو دورهما الكبير في تعاظم اشتعالها، فهل يا ترى من مُذَّكر..!

صحيفة الصيحة