منى أبوزيد تكتب : لعلهم يرشدون..!
“من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال”.. الإمام الغزالي..!
قبل سنواتٍ، كتب الأستاذ “جهاد الخازن” في عموده الراتب بصحيفة الحياة مقالاً عن مفهوم الخلافة الراشدة بمعناها الكامل، والتي كان يراها تقتصر فقط على عهد خلافة سيدنا أبي بكر الصديق، وقال إن سيدنا عمر بن الخطاب كان عادلاً جداً لكنه عزل خالد بن الوليد أعظم قائد عسكري في تاريخ الإسلام، وطبق حد السُّكر على ابنه وهو مريض فمات. وقال إن سيدنا عثمان بن عفان قد قدَّم أقاربه، واستشهد بمقولة سيدنا علي بن أبي طالب “استأثر عثمان فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع ولله حكم واقع في المستأثر والجازع”. أما سيدنا علي نفسه فقد قال عنه إنه كان عبقرياً في كل شيء سوى التعامل مع الناس ربما لصغر سنه..!
صحيفة الحياة التي كان يكتب لها الأستاذ “جهاد الخازن”، كانت شراكة سعودية لبنانية، ولأجل ذلك اندلعت ثورة عارمة في السعودية وطالب البعض بمحاكمة الرجل بتهمة الطعن في عدالة الخلفاء الراشدين، فاعتذر على الفور في اليوم التالي وأغلق الباب بسحب مقاله ذاك. ولأني كنت من قراء الأستاذ “جهاد الخازن” فقد أرسلت له رسالة “إيميل” أتساءل فيها عن أسباب تراجعه، وهل السبب هو الإقرار بخطأ الفكرة نفسها أم احترام مشاعر بعض القراء الذين تشددوا في الحكم على مقاله ذاك. فكان رده بالآتي “لم أتراجع عن الفكرة ولكنني خشيت على هذه الصحيفة من أن يصدر قرار بإغلاقها بسبب رفض بعض المتشددين لما كتبت”..!
وبعد بحث دؤوب في الكثير من الكتب والمراجع التاريخية، تساءلتُ لماذا أنكر المنكرون على الرجل حديثه إلى عامة الناس في شأن ظل الخاصّة يتداولونه بينهم عبر القرون وعلى سبيل التخصيص؟. وخلصتُ إلى أن السبب هو أن عدم الاعتراض على بعض الآراء – ما كتبه “جهاد الخازن” مثالاً – يعني خروج مقاليد بعض الأحكام من أيدي علماء وفقهاء تجنّبوا الخوض فيها بنية المحافظة على نقاء الدين، فميّزوا بين العامة “كلنا، أنت وهو وهي وأنا” والخاصة “العلماء وطلبة العلم” فيما يجب أو يحق لكل منهم معرفته من أمور هذا الدين..!
كنتيجة راجحة لرحلة بحثي تلك في كتب التاريخ، كتبتُ مقالاً بعنوان “في أنسنة الصحابة” تناولتُ فيه بالجرح والتحليل الآثار السالبة المترتبة على الإصرار على نفي صدور أي خطأ بشري من أي شخص – عدا النبي المعصوم – وإن كان صحابياً جليلاً. وكيف أن الإصرار على ذلك يؤثر على تمسكنا بأعظم مباديء الإسلام نفسه..!
اليوم – واستناداً على ذات المنطق – أقول للذين يغالون في نفي صدور الخطأ عن أي سياسي بدعوى أنه أيقونة لانتصار الثورة، وحتى لا نشق صفوف المدنيين في طريق الانتقال الديمقراطي .. إلخ.. مهلاً، نحن ندعم المدنية بكل عزمنا، لكن المدنية ليست مختزلة في أيقونات سياسية بعينها، وهؤلاء الأيقونات ليسوا صحابة، فإن أصابوا أيّدناهم وإن أخطأوا صوّبناهم، دونما ضررٍ أو ضرار. هم ليسوا صحابةً إذن، ولئن كان الصحابة – رضوان الله عليهم – بشرا يصيبون ويخطئون، فما بالك ببقية البشر الخطائين..!
اجتهدوا في تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بعد الاعتراف بأخطاء اللجنة السابقة وتصحيحها. عزِّزوا المدنية بالكفاءات الوطنية لا بالمحاصصات الحزبية. أدركوا مدنيتكم وأدركونا، فوالله لقد هرمنا في انتظار سودان الحكم الرشيد..!
صحيفة الصيحة