موازنة 2023 .. الغموض وعدم الشفافية .. جيب المواطن أصبح هدف وزارة المالية لزيادة الإيرادات
وصولاً إلى منتصف شهر يناير في العام الجديد، ما زال السودان يعيش في حالة فراغ بدون موازنة عامة للدولة, تأخر إعلان الموازنة -أيضاً- في العام 2022 بعد الاضطراب السياسي الذي شهدته البلاد بعد انقلاب 25 أكتوبر، بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. عطّلت الإجراءات مفاتيح مهمة اقتصادية مثل الموازنة التي حُولت إلى مجلس الوزراء لمناقشتها على مستوى اللجان وقطاعات المجلس المتخصصة، ولكن غياب جهاز تنفيذي جعل من الإجازة أمر معقد بعد حل مجلس السيادة الذي كان يُجاز عبره الموازنة في مجلس مشترك يضم ايضاً مجلس الوزراء.
موازنة غير شفافة ونمطية
قال وزير المالية السودان د.جبريل إبراهيم: إن الموازنة 2023 شفافة مطروحة للعامة ولجميع أجهزة الإعلام والملاحظ أن منشور موجهات هذه الموازنة لهذا العام لم يخرج من النظام التقليدي المتبع فى وضع الموازنات والذى يعمل به السودان منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، ومع ذلك يقول د. جبريل: إن هذه الموازنة أكثر الموازنات شفافية، والحقيقة تقول إن أكثر الموازنات شفافية هي تلك التي تتبع نهج موازنة البرامج والأداء والتي تجعل من تقرير الأداء والتنفيذ والإنجاز مرجعية للصرف وفق المدخلات والمخرجات حسب الموارد المالية المتاحة. ومن الموازنات الشفافة -أيضاً- الموازنة التشاركية والتي تشرك المجتمع في تحديد مشروعات الخدمات الأساسية والمساهمة في تكلفتها وجمع بنود إيراداتها على أن يعطي المجتمع حق المراقبة والإشراف على المصروفات المخصصة لتلك المشروعات، وهذا النوع من الموازنات يكون أكثر ملاءمة للحكم الولائي والمحلي، أما أن تكون الموازنة ميزانية الفصول والبنود التقليدية والتي تعتمد على البند عند الصرف فهي موازنة غير شفافة وغير متاحة للجمهور والإعلام إلا فى حدود الأرقام . أما الأداء والتنفيذ للموازنة فمن اختصاص الإدارة المالية بالوزارة المتمثلة في إدارة الميزانية وديوان الحسابات والمراجع الداخلى وديوان المراجع العام فهي إذاً موازنة تقليدية ديوانية بيروقراطية غير شفافة. تسريبات بنود الموازنة
الحصول على معلومات الموازنة كعمل صحفي دائماً ما يكون أمر بالغ الصعوبة لعدم توفر الشفافية التي ذكرناها، تأتي موازنة 2023 خالية من أي منح أو قروض جنبية، حيث أكدت بعض المصادر لـ(التيار) زيادة تقديرات الإيردات في الموازنة إلى 5 تريليون، والانفاق إلى 6 تريليون جنيه (حسب تصريحات وزير المالية -أيضاً) ، مع وجود عجز في الموازنة لا يتخطى 15%، مما يقود بنك السودان إلى سياسات نقدية الانكماشية التي تهدف لتخفيض التضخم إلى 25%. أشار الخبير الاقتصادي ببنك التنمية الأفريقي مصطفى عباس لـ(التيار) “أن للحصول على للإيرادات المرصودة ستقوم الحكومة بتوسيع المظلة الضريبية لتشمل القطاع الزراعي وغيره من القطاعات المعفية” ، وتابع :” وتمت زيادة ضرائب شركات التعدين إلى 30% أسوة بضرائب الشركات التجارية، وذلك لتحقيق زيادة في الإيرادات تسمح بتغطية احتياجات الموازنة التمويلية، هذا الأمر سيجعل من مهمة الحصول على الإيرادات دون إضرابات قطاعية وضبط كفاءات التحصيل الضريبي تحدي حقيقي أمام الحكومة في موازنة 2023 بما في ذلك الاستقرار السياسي الذي سيعكس الاستقرار الاقتصادي” .
موارد ذاتية
أكد وزير المالية د.جبريل إبراهيم في أكتوبر أن وزارته قامت بتوسيع المظلة الضريبية حتى لا تلجأ إلى زيادة الضرائب وذلك بجانب ما تم من اتفاق منذ عام 2019م وهو الاتفاق مع أصحاب العمل برفع ضريبة أرباح الأعمال في القطاع الصناعي إلى %15 بدلاً من 10% وإلى 30% في القطاع التجاري بدلاً عن 20% وبدأ تطبيق ذلك في 2021م . هذا الأمر جعل من تصريح وزير المالية المضي قدماً في ما يسمى بـ(حشد الموارد الذاتية) ، و بالرغم من ذلك فإن الحصيلة الإيرادية في تدني مستمر حتى أنها سجلت في 2020 أقل من 50%، لم تتوفق وزارة المالية في قولها إنها سوف تعتمد على الإيرادات الذاتية وهي لم تقم بتنفيذ البرامج الإلكترونية التي تضبط الإيرادات والمصروفات ولم تنفذ برامج الحوكمة والإصلاح المؤسسي. الخبير المصرفي عادل التوم ذكر لـ(التيار) أن الحكومة أيضًا: ” لم تقم بإصلاح وتحديث الوحدات العاملة في مجال جمع وتحصيل الإيرادات “، وأضاف : “ولم تبسط سيطرتها وتحكمها على المال العام، فكيف لها أن تتحصل على إيرادات ذاتية تكفي لتنفيذ التزامات هذه الموازنة، لذلك حديث وزير المالية عن إيرادات سيصاحبه عجز كبير بعدم التحصيل الفعلي للإيرادات مما سيجعل الحكومة تلجأ إلى زيادة عرض النقود الأمر الذي سيزيد من التضخم بنسب عالية”.
زيادات رغم عدم الإجازة
بالرغم من عدم إجازة الموازنة العامة للدولة للعام 2023 إلا أن الوحدات الحكومية بدأت منذ مطلع العام بتحديد زياداتها في الرسوم و تطبيقها مثل : استخراج الأوراق الثبوتية، فقد ارتفع (جواز السفر) إلى 51250 جنيهاً، ما يعادل (90 دولاراً أمريكياً) و26250 جنيهاً، (46 دولاراً) لوثيقة الأطفال وبلغت كلفة الجواز التجاري 253050 جنيهاً، (444 دولاراً)، فضلاً عن زيادات في رسوم معاملات دخول وإقامة الأجانب المختلفة، كما ارتفعت بشكل كبير رسوم ترخيص السيارات وقفزت رسوم ترخيص مركبة صالون ملاكي إلى نحو 69000 جنيه (121 دولاراً). كما صعدت رسوم الدخول إلى المطارات بنسبة 100 في المئة، حيث تضاعف رسم الدخول إلى مطار الخرطوم إلى 1000 جنيه (1.7 دولار) لانتظار ساعة واحدة، مع زيادة غرامات تسوية المخالفات بالمطارات من 3000 جنيه، إلى نحو 30000 جنيه (53 دولاراً). علقت الخبيرة الاقتصادية بالبنك الدولي زحل النور لـ(التيار) بأن: “عدم البحث في كل البدائل الممكنة في اقتصاد مثل السودان يعد من عدم الذكاء الاقتصادي، وتابعت : اختارت المالية الحلول السهلة التي يتحمَّلها المواطن للوصول إلى أموال سريعة مما تؤدي إلى ضائقة معيشية تؤي إلى عدم استقرار سياسي واقتصادي، لذلك سيتم الاعتماد على الضرائب غير المباشرة ممثلة بضريبة القيمة المضافة، فضلاً عن عائدات الذهب التي تراجعت -أيضاً- بشكل كبير”. آثار -أيضاً- رفع رسوم التسجيل في الجامعات الحكومية في السودان بنسب تصل إلى 900 في المئة غضباً عارماً، حيث تظاهر آلاف الطلاب أمام وزارة التعليم العالي بالعاصمة الخرطوم مطالبين بإلغاء تلك الرسوم، وسط تضامن كبير من نقابات أساتذة الجامعات.
تحديات المطالبة بالأجور
ربما أبرز تحديات الموازنة الجديدة التي ستواجه عقبات في مطالبة الموظفين بالقطاع العام بزيادة مرتباتهم، كما كان الأمر في الأعوام السابقة، حيث كانت هناك مطالبات مستمرة وإضرابات وغيرها، الأمر الذي كان له تأثير على مجمل الأوضاع الاقتصادية.
ولعل أبرز المطالب برفع الأجور كان لقاطع (المعلمين) الذي يخوض موجة من الإضرابات، وفي سياق منفصل نفى وزير المالية د. جبريل، بشكلٍ قاطع تماطل الوزارة في الإيفاء بحقوق المعلمين، مؤكدًا استجابة المالية لمطالبهم الخاصة برفع الأجور. وقال: “إن ما تبقى متصل بفروق في العلاوات، وكل المطلوب ناس الولايات يجيبوا لينا حساب فروق العلاوات ونحن بدورنا نجيزها”. فيما صرَّح الأستاذ خالد غريب لـ(التيار) حول الأمر بأن: ” نحن كمعلمين طالبنا برفع مخصصات التعليم كمدخل لحل مشكلات تتعلق بأجورهم المتدنية، وقدَّمنا مذكرة متضمنة 8 مطالب أهمها ضرورة زيادة الإنفاق على التعليم ليصل إلى 20% من موازنة الدولة 2023 وما زالنا متمسكين بمطالبنا حتى تحقيقها رغم عدم الاستجابة من المالية “.
الخرطوم : أحمد بن عمر
صحيفة التيار