صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب : سيدة البيش!

وما هو البيش؟..

لا أعلم؛ أو ما كنت أعلم حتى علمت من قارئٍ شاب – متعلم – قبل فترة..

وما علمنيه إياه لم يكن علماً بمعنى الكلمة..

وإنما هو معنى يُفهم ولا يُشرح… بما أن معلمي ذاته عجز عن شرح المعنى..

غير أن العجز هذا كان هو نفسه فهماً عندي..

فأعجبني المعنى القاصر هذا بعد أن أتممته خيالاً… فازداد غموضاً ومعنى..

وأصل محاولة فهم البيش عبارة قالها لي هذا الشاب..

قال لي: يا أستاذ؛ دعك منهم – ومن كل شيء – وعيش البيش كما أعيشه أنا..

أو بحسب النطق الصحيح لغوياً: عِش البيش..

وبعد أن عرفت شيئاً من معنى مفردة بيش هذه سألته كيف يعيشه هو؟..

فأجاب قائلاً: في كل شيء… في كل شيء..

فحياته – يقول – بيش… وشهاداته الدراسية بيش… والعمل الذي يسترزق منه بيش..

وحتى قصته العاطفية أسفرت عن بيشٍ كبير..

ثم يستطرد ضاحكاً: لقد عشقت بنتاً في حيِّنا يا أستاذ… ليس أجمل منها إلا سيدتها..

نعم سيدتها؛ فالبنت خادمة من دولة مشهورة بجمال بناتها..

فهي تعيش البيش مثلي أيضاً – يقول مواصلاً ضحكه – وإن كان بيشها دولارياً..

ورغم ذلك فإن ذات البيش هذه تجاهلت حبه..

ولكن المفارقة – والتي لا تحدث إلا في الروايات – أن من أحبته سيدتها هذه..

فقد فوجئ بالسيدة – ذات الجمال الصارخ – تحبه بصمت..

أو تحبه بيأس؛ فهو حبٌّ ذو طريق مسدود بمتاريس زوجية… وعمرية… واجتماعية..

وهكذا انتهت تجربته العاطفية إلى بيش..

فقلت له هي فعلاً قصة تشبه عوالم الروايات… كما في روايةٍ لتوفيق الحكيم..

وبطلها محسن كان يعشق بائعة تذاكر المسرح..

وكان بقسمته العاطفية هذه راضياً… ويرتاد المسرح – والمسرحية – بسببها..

وبطلة المسرحية – المعروضة آنذاك – كانت نجمة كبيرة..

وظل شهوراً معلقاً بخشبة المسرح… والمسرحية… وبائعة التذاكر عند أبواب المسرح..

وما درى أن سيدة المسرح – والمسرحية – ذاتها أحبته..

ولعل عقله كان أضعف من يستوعب هذه الحقيقة؛ فطار فوق عش البيش..

فقال لي مقهقهاً: لعلمك يا أستاذ؛ عالم البيش ذاته له سيدة..

فهي تملك البيش… وأقوى من البيش… وتجعلك تطير فوق دنيا البيش… والبيشويين..

وطرنا أنا ومحدثي فوق أعشاش بيشنا السوداني..

أو جرني هو إلى هذا الطيران في سياق نصيحته لي: دعك منهم… وعش البيش..

فغالبهم يعيشون البيش الآن..

غالب المغنين… والممثلين… والمذيعين… والسياسيين… والرأسماليين..

وحتى نحن الصحافيين؛ يقول..

فلماذا أشذ عن قاعدة البيش هذه في محاولة يائسة لإصلاح واقعنا الواقع المعيش؟..

أو واقعنا البيش؟..

الواقع الذي يُضخم فيه ذاته كلٌّ من هو مجرد بيش… ويعيش البيش..

فهذا في مجال الغناء إمبراطور… وتلك ملكة..

وهذا في مجال الصحافة خبير استراتيجي… وذاك في مجال كرة القدم أنشيلوتي..

وهذا في مجال السياسة مترنيخ..

حتى وإن كان ظهر على مسرح السياسة هذه بالأمس القريب..

ثم صار يمارس على الناس أستاذية مضحكة..

وكما الأستاذ يمد أصبعه نحو من لا يستوعب دروسه مهدداً… ومتوعداً..

فعشقت البيش؛ عملاً بنصيحة محدثي هذا الغالية..

ثم فوجئت بأنه ليس هو من بادلني عشقاً بعشق… وحباً بحب… وهياماً بهيام..

وإنما سيدته!.

صحيفة الصيحة