منى ابوزيد

منى أبوزيد تكتب : فَرَّطوا ثم أفرَطُوا..!

“رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعةٍ أورثت عزاً واستكباراً”.. ابن عطاء الله السكندري..!
قبل سنواتٍ، كشفت وسائل الإعلام المغربية عن فضيحة أخلاقية كانت تُهدِّد مصداقية حركة التوحيد والإصلاح “الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الإخواني الحاكم”، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعية في المغرب، الأمر الذي فسّره بعض الكُتّاب المغاربة بأنّ ذات اللعنة التي حلّت على الإخوان المسلمين في مصر قد حلّت على إخوانهم في المغرب. لكن بيان الحركة حينها فضّل الإشادة بنجاحات العضوين المتهمين “في خدمة الدعوة” ثم اكتفى بتعليق عضوية كل منهما..!
وهذا نهجٌ سائدٌ في ردود فعل كيانات الإسلام السياسي في مواجهة أي اتّهامٍ أو نقدٍ، مع أن الجرح والتعديل في شؤون الرجال منهجٌ ثابتٌ منذ عهد النبوة، والأحزاب السياسية شأنها شأن الضمائر والذمم قابلة للنقد والمُناصحة، ومأمورة – أيضاً – باستدراك الخطأ، واستبدال الفاسد، وبتر المعيب، وكله في ظل إرادة إصلاح تقدم الضرورات الوطنية على التحفُّظات السّياسيّة..!
وقد كان بعض أئمة المساجد يُطالبون حكام الإنقاذ وحواشيهم بالاستقامة في حقبة سياسية صار الحديث فيها عن دور المسجد في ترسيخ القيم وتزكية المجتمع يكاد يجانب الواقع، بل يتاخم الخيال. ولأن لكل زمان دولة ورجالاً، سقطت حكومة الإنقاذ، مع أن الحزب الذي كان حاكماً في بلادنا خرج على هذا الشعب – ذات عهد – من غُرف المساجد، لكن مُعظم قادته خرجوا على الأسفار والمتون، ثم طفقوا يُبايعون ويأخذون البيعة بعنوان الغلاف وأسماء الحواشي..!
التاريخ السياسي يحفظ سير حكام وقادة تأثّروا بدعوات المصلحين “ابن تومرت في المغرب العربي وعبد الله بن فودي في غرب أفريقيا، وعلاقتهم بمنهج إصلاح النفس والغير عند الإمام الغزالي. محمد بن سعود الكبير وعلاقته بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية. الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا وتأثُّره بفلسفة اللا عُنف عند المهاتما غاندي …إلخ..”، لكن إصابة الإسلام السياسي – وترنُّح شعاراته – في بلادنا كانت بفعل “نيران صديقة”..!
العودة إلى الواقع – هي ما يحتاجه مَن يتحدّثون عن نصرة الشريعة في هذا البلد – وليس العودة إلى اجتماعات المساجد التي لم تبرح الإنقاذ أسوارها يوماً، ومع ذلك سدّد المجتمع السوداني في عهدها – ولا يزال – فواتير التطبيق الشكلاني لأحكام الشريعة على حساب القيم الوطنية ومبادئ التسامح الديني والعرقي، في بلاد لم تُعرف يومها بغلوِّها الطائفي أو تطرفها الإثني. ولا يزال هذا الشعب يسدد أثمان أفعال بعض الذين مزقوا بالسيخة ثوب الفكرة وأشهروا الأسلحة في وجوه القصائد، ثم ها نحن أولاء..!
النفي، الرفض، التّجاهُل، كلها صورٌ كانت رائجة في قاموس السلوك السياسي عندما دخلت حكومة الإنقاذ في حالة إنكارها تلك. تصريحات المسؤولين كانت تسوّد صفحات الجرائد كل يوم فتُنبئك إلى أي درجة تفاقمت حالة الإنكار المفضي إلى الخطأ الجسيم. ثم هاهُم ورثة فقه الإنقاذ يتحدّثون عن نصرة شريعةٍ كان الأولى بهم نصرتها يوم أن أطالوا البقاء على رأس السلطة، ففرَّطوا فيها، ثم هاهُم اليوم يُفرطُون في التباكي على كسبٍ سياسي تحت شعار مطلبٍ شرعي. يعني “ما فيش فايدة”، أو كما قال “سعد زغلول”..!

صحيفة الانتباهة