عادل الباز

عادل الباز يكتب: حكايتي مع حمدنا الله (1)


1

لو أنه كان هناك في ذلك اليوم، لأكمل لي بقية الحكاية، وما أجمل وأكثر حكاياه، لو أنه كان يومها بتلك الليلة، ولما غاب وكيف يغيب عنها لولا الشديد القوى، يومها كان سيتزيأ بجلابيته البيضاء المكوية، معتمراً عمامته البيضاء في الصف الأول، يفتر ثغره عن ابتسامةٍ لازمته طيلة حياته، كان سيكمل لي يومها السطر الأخير في حكاية عمر، سيقول لي وأكاد أسمعه (ألم ترَ عمر ليلة تأبيني ألقي كلمة رصينة، بلا لحنٍ، فاضت محبةً وحزناً دفيناً وفخراً ووفاءً وعرفاناً، عمر هذا ياعادل منذ صغره..) ثم تبدا تداعيات الحكاية فتستمتع بتفاصليها، وإذا ماتدفقت ينابيع محبة من والد لولده ستغرق في بحر من العذوبة.. لا يمل الحديث عن سيرة أبنائه وعمر أصغرهم، ذكي وشاطر وعطوف وحنين وقارئ رائع ومهندس اتصالات، لا ينسى أن يذكّرك بأنه (مريخابي)، وهنا تتداعى تفاصيل وشواهد ذكائه وعطفه على والديه وثقافته.

2

حين لازم سرير المرض، تجلت لي كل تلك الصفات، وكانت كلمته تجسيداً لكل المعاني التي ظل يحدثنا بها عن عمر.. سنواتٍ من الصبر على حمل ثقيل وهو الصغير.. فعل كل شيء براً بوالديه، وختمها يوم التأبين واضعاً زهرة وشاهداً على صدر ذلك العالم الجميل من الوفاء، شكراً لزين التي جعلت مثل ذلك اليوم ممكناً.

3

يبدو أنني بدأت سرد القصة من مشهدها الختامي.. وذلك من باب الوفاء له، قصصي مع عبد الله حمدنا الله لا أعرف من أين تبدأ ولا أين تنتهي، عقدان من الزمان لا نكاد نفترق، مئات من الحكايا والأنس والضحك مضمخة بسرديات من تاريخ اجتماعي منسي، وأشخاص وأماكن لها في نفسه عبير خاص.. لكم كنت محظوظاً، حين كنت أسمع لكلمات المتحدثين فى حفل التأبين، كانت تتداعى في خاطري عقب كل سطر، ذكريات نقشت في ذاكرتي لحكاية أو فكرة أو معلومة، وقتها فقط قررت أن أكتب وأنا كاره لذلك، فأنا أكره موت أحبائي، وأنكر أنهم رحلوا، وما أن أمسك قلمي لأكتب عن أحدهم يجف، وتفيض المآقي فأمسك عن الكتابة، هل سأكمل هنا وقد انتابتني الحالة، الله وحده يعلم، ربنا يقدرني.

4

يبدو أنني بدأت سرد القصة من مشهدها الختامي.. وذلك من باب الوفاء له، قصصي مع عبد الله حمدنا الله لا أعرف من أين تبدأ ولا أين تنتهي، عقدان من الزمان لا نكاد نفترق، مئات من الحكايا والأنس والضحك مضمخة بسرديات من تاريخ اجتماعي منسي، وأشخاص وأماكن لها في نفسه عبير خاص.. لكم كنت محظوظاً، حين كنت أسمع لكلمات المتحدثين فى حفل التأبين، كانت تتداعى في خاطري عقب كل سطر، ذكريات نقشت في ذاكرتي لحكاية أو فكرة أو معلومة، وقتها فقط قررت أن أكتب وأنا كاره لذلك، فأنا أكره موت أحبائي، وأنكر أنهم رحلوا، وما أن أمسك قلمي لأكتب عن أحدهم يجف، وتفيض المآقي فأمسك عن الكتابة، هل سأكمل هنا وقد انتابتني الحالة، الله وحده يعلم، ربنا يقدرني.

5

كنت قد التقيت ببروف عبد الله لأول مرة في منتصف تسعينيات القرن الماضي بين طيات السحاب، وقتها كانت الطائرة المصرية تعبر بنا الأجواء إلى قاهرة المعز، التي أنفق فيها أنضر سني حياته العامرة بالعطاء، كنا وقتها نشارك فى أسبوع ثقافي لاتحاد الطلاب السودانيين، وكنت وقتها مزهواً بالقاهرة التي كنت أظن أني أعرفها، فمنذ عقد من الزمان وأنا لا أغيب عنها، أجوب أحيائها ودورها وصحفها التي تدربت فيها ومتاحفها واهراماتها ومسارحها ومعارضها، ولكن حين بدأ قصته وتدفقت حكاياته مع القاهرة مستعرضاً معرفته العميقة والدقيقة بها تاريخاً وثقافةً وفنوناً ومجتمعاً، أدركت أنني على جهل عظيم_ بما ظننته وهماً_ معرفةً واسعةً بها، منذ وقتها أجلست نفسي في موقع التلميذ استمع لكل كلمة يقولها واستمتع بكل حرف كتبه، ثم ترقيت ويا لحظي، فأصبحت صديقاً ملازماً له كظله، أنهل من علمه الواسع وأستمتع بقصصه وذكرياته وأيامه، ويالها من أيام.

6

اختارت زين أن تحتفي بعالمه الجميل، عالم الوفاء، بمثله، فجمعت نفراً من عارفي فضله وتلاميذه وصحبه وأهله، لم يجمعهم شيء سوى المحبه والوفاء.. زان الوفاء الممتد للناس والأماكن والتاريخ وللأفكار حياة حمدنا الله وظلل حياته كلها، تلك الخصلة هي جوهر انسانيته وهي التي منحته محبة الناس وعمقت أفكاره ووهبتها بريقاً خاصاً، وعبر بها إلى آفاق شتى، جسّر بها علاقاته مع أهله وأصدقائه والمختلفين معه في الرأي. سأحاول أن أحفر عميقاً في ذلك الجوهر الذي عشته ولمسته، سأبحث عن عبد الله الآخر من خلال قصصه وحكاياته وكتاباته لعلي أصل لأدنى مقامات الوفاء، لأوفي حقٌ، هو دين في رقبتي إلى أن ألقاه.

صحيفة اليوم التالي