الغالي شقيفات يكتب : هل من تشابُه بين بانغي والخرطوم؟!
لا تنفكّ جمهورية أفريقيا الوسطى، منذُ نيلها استقلالها في العام 1960، من الاضطراب والعنف المُتكرّر. وقد بلغَ النّزاع أوجه في العام 2013 حينَ وصل مُتمرِّدو جماعة “سيليكا” أو سلكا كما يقول البقارة في جنوب دارفور على مقاليد الحكمِ فورَ نجاحِ زحفهم العسكريّ، فأعقبَهُ ردٌّ نفّذته مليشيا الدّفاع الذاتي “أنتي بالاكا” في غضون العام نفسه. وخلال النّزاع، ارتكبت الأطراف المُتناحرة جميعها، انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وجرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم حرب، فخلّفت آلاف الضحايا السّاعين إلى التماس العدالة. وفي العام 2014، أُبرمَ اتفاقُ وقف إطلاق النّار، تَبعهُ في العام 2015، إطلاقُ منتدى بانقي وحول المصالحة الوطنيّة، الّذي أثمرَ إنشاءَ المحكمة الجنائيّة الخاصّة المُوكّلة، النّظر في الخروقات الفادحة للقانون الدّولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الواقعة على أرضِ البلد اعتبارًا من الأوّل من كانون الثّاني/ يناير من العام 2003.
وهي قضايا شبيهة لما حدث بالسودان، ومع ذلكَ كلّه، استمرّ ارتكابُ العنف، واقتُرفَت مجازر عدّة بينَ العامَيْن 2017 و2018. وفي إطارِ المسعَى إلى إنهاءِ الأزمة، أبرَمت المجموعات المُسلّحة والحكومة اتّفاقَ سلامٍ آخر في مطلع العام 2019، تلَتْهُ استشاراتٌ وطنيّة عامّة حولَ مسألةِ إنشاء لجنةِ حقيقة. وفي العام 2020، أبصرَت لجنةُ الحقيقة والعدالة وجبر الضّرر والمُصالحة النّور، فأُنيطَ بها التّحقيق في الانتهاكات الجسيمة المُرتكبة من العام 1959 حتى 31 كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 2019، وكشف حقيقة هذه الجرائم وإحقاق العدالة في شأنها وإعادة التّأكيد على كرامة الضحايا وتحقيق المُصالحة الوطنيّة.
وفي 30 كانون الأوّل/ ديسمبر من العام 2020، وهذه الاتفاقيات هي أيضاً شبيهة لاتفاقيات جوبا والدوحة وأبوجا التي لم توقف العنف والاقتتال.
لقد كان من شأن الصراع المُتكرّر في جمهورية أفريقيا الوسطى أن أوهنَ الدّولة ومؤسّساتها، في حين لا يزالُ معظم البلد تحتَ سيطرة الحركات المُسلّحة. والسلطة عاجزةٌ عن توفير الخدمات الأساسيّة، والبلدُ مُصنّفٌ في خانة البلاد الأدقع فقرًا في العالم. وقد تعرّضَ مئات الآلاف من سكان أفريقيا الوُسطَى للنزوح داخليًّا، وقاسَى الأعمّ الأغلب من الشّعبِ انتهاكاتٍ جمّة لحقوق الإنسان، علمًا أنّهم لا يقدرونَ على الوصول إلى العدالة، لا سيّما مَن كانَ مِنهم يقطنُ خارجَ نطاق العاصمة. ويجدرُ التّنويه بأنَّ أكثرَ أنواع الانتهاكات شيوعًا هي انعدام المُساواة بينَ الجنسين والعنف الجنسي والعنف القائم على النّوع الاجتماعي، والسودان أيضاً منذ أن نال استقلاله ظل في دوامة عنف وقتال بين مواطنيه، وعجزت الدولة عن توفير أبسط المقومات والصراع الذي يدور اليوم في أفريقيا الوسطى وسقوط محافظتين في يد المعارضة ومقتل عناصر من فاغنر، ورغم أن معظمه في حدود تشاد إلا أنه قطعاً سيتأثّر به السودان نزوحاً وانتشاراً للسلاح.
وخارطة الحكم في أفريقيا الوسطى قابلة للتغيير، والنفوذ الفرنسي أصبح يتراجع، والسودان قد لا يكون بعيداً عن مسرح الأحداث، والأيام القادمات حُبلى.
صحيفة الصيحة