حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي يكتب: روسيا لم تعد شيوعية!!

أثار بيان الحزب الشيوعي السوداني، الذي أعلن فيه رفضه القاطع لتفاوض القيادات الانقلابية العسكرية مع الجانب الروسي، على إقامة قاعدة عسكرية روسية، موجة من الاستغراب عند كثيرين، ومثار استغرابهم ان الحزب الشيوعي السوداني تجمعه بروسيا الايدلوجية الشيوعية، مما يفرض عليه الوقوف الى جانبها ودعم مشاريعها وتوجهاتها وسياساتها، التي يفترض أنها متطابقة مع توجهات الحزب، بيد ان الحزب اعتبر في بيانه ان ذلك التفاوض يكشف عن مطامع ترتبط بموقع السودان الجيوسياسي، وقال الحزب في البيان إن زيارات المبعوثين الدوليين ووزير الخارجية الروسي تهدف إلى رسم مستقبل البلاد السياسي، ورأي البيان أن تلك الزيارات ترقى إلى درجة الوصاية على الشعب السوداني بحيث تظل البلاد تابعة للإمبريالية العالمية، ودعا الحزب قوى الثورة للتصعيد في مواجهة ما وصفها بالتدخلات التي تمس السيادة الوطنية حتى الوصول للعصيان المدني، وجاء بيان الشيوعي على خلفية زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للبلاد، واجراءه مباحثات مع قيادات الانقلاب العسكرية، كان من أبرزها ملف القاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، التي كان نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وقع اتفاقا بشأنها يسمح للبحرية الروسية بإقامة قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان الإستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، ويسمح لها كذلك الاحتفاظ بالقاعدة لمدة 25 عاما مع تمديد تلقائي لمدة10 سنوات بحال لم يعترض أي من الجانبين، وقال الوزير الروسي في ختام مباحثاته وزيارته للبلاد، إن بلاده في انتظار موافقة المؤسسات التشريعية في السودان على إنشاء قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، ما يعني أنه حصل على الموافقة المبدئية وفي انتظار الموافقة النهائية ودخولها حيز التنفيذ..

عطفا على استغراب الكثيرين لمعارضة الحزب الشيوعي السوداني لاقامة قاعدة روسية بالبحر الأحمر، دار بيني وبين عضو الحزب الشيوعي والصحفي قرشي عوض، نقاش حول مدى موضوعية أسباب هذا الاستغراب، وكيف ترد عليه، قال قرشي ان موقف الحزب الشيوعي السوداني من دولتي روسيا والصين، لا يختلف عن موقفه المعلن من الدول الغربية التي تسعى لحيازة موارد وثروات السودان بالطرق الناعمة، مثل دعمها للعملية السياسية الجارية الان، ويعتبر الحزب كذلك دولتي روسيا والصين دولا استعمارية تسعى لنفس الهدف، ويجئ موقف الحزب الشيوعي منهما منسجما مع موقفه من كل الدول التي تسعى للتدخل في الشأن السوداني، وروسيا والصين لم تعودا دولا اشتراكية بعد (الاصلاحات) التي دخلت على أنظمتها السياسية والاقتصادية، فأصبحت دول رأسمالية لا تختلف عن أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، وهذا من حقها (ان تصبح رأسمالية) ولكن ليس من حقها ان تتدخل في بلادنا وتبني فيها القواعد، وسيادة السودان والحفاظ على موارده خطوط حمراء ظلت تطرز راية الحزب الشيوعي السوداني منذ تأسيسه في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي..ويرجع قرشي عملية (الانحراف) الروسي عن جادة الشيوعية، الى عهد بوريس يلتسين الذي جاء الى السلطة منتخبا في 1991، وكان موضع أمل الشعب الروسي المتطلع للحرية والديموقراطية والأهم من ذلك مستوى المعيشة الأفضل، غير أنه لم يحتفظ بشعبيته بعد إقرار إصلاحات اقتصادية جذرية عام 1992 والتي كانت وراء تحطيم مستويات المعيشة لمعظم السكان في روسيا، حيث أدت الي تدهور حاد في الخدمات ومستوى المعيشة وزيادة كبيرة في معدلات البطالة والفساد والتضخم، وأدى انحسار دور الدولة والفساد والوضع الاقتصادي المتردي إلى ظهور الجريمة المنظمة أو ما يعرف بالمافيا الروسية وتغلغلها في معظم مناحي الحياة في روسيا، واستقال يلتسن منصبه فجأة عام 1999 خلال خطاب رسمي، إعتذر فيه عن عدم تحقيقه لأحلام الشعب الروسي ورشح فلاديمير بوتين الرئيس الحالي خلفا له.

صحيفة الجريدة