منى أبوزيد تكتب : من الآباء إلى الأزواج..!
“كل الذين يكتمون عواطفهم بإتقان ينهمرون كالسيل إذا باحوا”.. غادة السمان..!
تقول صاحبة الحكاية: صديقتي اللبنانية التي كانت تدخن السجائر بشراهة – أخبرتني بأنهم كانوا يضطرون إلى المكوث في الملاجئ لفترات طويلة أيام الحرب الأهلية في بلادها، الأمر الذي جعل والدها يتوقّف عن التظاهر بعدم العلم بأن ابنته مدخنة من الدرجة الأولى، فكان يقدم لها السجائر ويسمح لها بمشاركته التدخين في أثناء تلك الليالي الطويلة التي كانوا يقضونها داخل الملاجئ..!
عندما تأتي صديقتي تلك مع زوجها – الذي هو صديق زوجي وزميله في العمل – لزيارتنا ونجلس معاً، تجسِّد جلستنا تلك لوحة قوامها اختلاف الثقافات بين الشعوب. فبينما نجلس زوجي وأنا متباعدَيْن ونحن نعامل بعضنا برسمية وكأننا شبه متخاصمَيْن – كعادة الأزواج السودانيين – كانت صديقتي تلك وزوجها يجلسان متلاصقين، ولا يكفان عن إطعام بعضهما البعض من مُحتوى الأطباق وكل منهما يُخاطب الآخر بكلمات لطيفة. الأمر الذي يُثير امتعاض زوجي، لكنه كان يجد نفسه مُجبراً على احترام اختلاف الثقافات..!
أيضاً لاحظت أن جارتي المصرية مُعتادة على المزاح مع والدها، ولاحظت كيف يضحك الأب وكيف يلقي بعض الدعابات عن شبابه الذي يفوق شباب زوج ابنته في حضور الجيران من أمثالي. وهو ضربٌ من المزاح الذي يصعب أن يتفوّه بمثله أي أب سوداني في حضور أبنائه..!
وحينما أتت جارتي المصرية وزوجها لتناول طعام الغداء في بيتنا – لأول مرة – كان سلوكهما مثار ضيق زوجي الذي أزعجه انهماكهما في الغزل، بينما كنا – هو وأنا – نجلس متباعدين وكلانا يعامل الآخر برسمية وصرامة في حضرة الضيوف كما تقتضي الأعراف السودانية..!
أنا بدوري أتمنّى أن تنشق الأرض وتبتلعني في أثناء تلك المواقف، لكنها لا تدهشني ولا تثير امتعاضي مثلما يحدث مع زوجي، ربما لأنّني نشأت وتربيت في مجتمع يضم أُسراً من جنسيات وشعوب مُختلفة، لذا فقد كنت اكتفي بشبح ابتسامة ثم أطرق في صمت..!
مشكلتي وزوجي أننا ننتمي إلى شعب يُفضِّل عدم التعبير عن المحبّة بين الأزواج علناً أمام الأغراب، وهذا عرفٌ جيدٌ ولائقٌ شريطة أن يقتصر على العلن وفي معية الأغراب، لا أن يصبح جزءاً من سلوك الأزواج في حياتهما الخاصة كما هو سائدٌ في مُعظم الأُسر السُّودانيّة..!
وقد اعتاد الأب السوداني على إضفاء شيء من الوقار على علاقته بأبنائه وبناته وهذا أيضاً جيد ولكن بقدر معقول. بينما الشائع في علاقة معظم الآباء والأبناء عندنا هو تحوُّل الوقار إلى صرامة، والصرامة إلى حاجز نفسي وحسِّي..!
هذه ليست دعوة إلى ابتذال البوح العاطفي، بل التفاتة إلى قيمة التعبير عن الحب في بناء الأسرة، ففي المنطقة الوسطى بين مبالغات أمثال هؤلاء وأولئك وأزواجهم وآبائهم ومبالغاتنا نحن – المنتمين إلى شعب يخجل من إظهار عواطفه الأسرية علناً – يكمن معنى التوازن..!
صحيفة الصيحة