منى أبوزيد تكتب : مَنزلة النُّضج..!
“التَّشكيك عمل جرئ، لكن التَّشكيك بذلك التَّشكيك هو عمل أكثر جرأة”.. د. أحمد خالد توفيق..!
(1)
التقدم في العمر تجربة رائعة – للرجل والمرأة على حدٍّ سواء – إذا أحسن الإنسان استثمار عمره في ما يُلهم روحه ويُغذِّي عقله، ويُرضي ربَّه وينفع الناس. ولكل مرحلة من العمر جمالها الخاص ومواقفها المضيئة التي تنير دروب السالكين، ولولا تفاوت الأعمار واختلاف الأجيال لكانت الحياة مُمِلَّة، ولكانت أيامها مُتشابهةً على نحوٍ لا يُطاق. أما محاولة إخفاء عدد سنوات العمر فهي – فضلاً عن ما تنطوي عليه من سذاجة وقلة وعي – تحرم المرء من الصعود بثبات على مدارج الحكمة التي هي ضالة المؤمن، والتي يصعب الوصول إليها قبل الوقوف بثبات على أعتاب منتصف العمر، مع كامل الاحتفاء ببدء ظهور خصلات الشعر الأبيض. لكن مشكلة التقدم في العمر هي عقد المقارنات المُجحفة بين حال من يتقدم به العمر عندما كان في مثل حال من يصغره سناً، وهذه إشكالية جيلية أفردت لها عدداً لا بأس به من المقالات التي تدافع عن حق الأصغر سناً في أن يعيش واقعه – الأكاديمي والثقافي والسياسي والاجتماعي – على النحو الذي يتناسب وحداثة عهده بالحكمة التي لا تتوافر إلا بعد تراكم المواقف والتجارب المُفضية – بدورها – إلى اكتمال النضج..!
(2)
التباين والانصهار العرقي في السودان أوجد مناخاً اجتماعياً وتركيبةً سلوكيةً، جعلت الشخصية السودانية مَحط إعجاب الكثيرين في مجتمعات أخرى. والحديث عن كاريزما الشخصية السودانية – وصفاتها الحميدة ومواقفها المُشرِّفة – عند إخواننا العرب والأفارقة يطول، وهو تقديرٌ مُستحقٌ، ونتيجةٌ راجحةٌ لنُبل بعض الأفعال الدالة على معظم الفاعلين. لكن ذات الخصوصية في تعدد الأعراق وامتداد التاريخ وترامي الجغرافيا قد أوجدت تلك الفجوة الداخلية – أو الجفوة النفسية إن جاز التعبير – بين مواقف السودانيين تجاه السودانيين أنفسهم، والتي اتّسمت بالكثير من الإجحاف، وكلِّلت سلوكهم تجاه الآخر القريب بالحدة والعنف اللفظي والشيطنة والأبلسة والإقصاء. والغريب أن السماحة والتواضع الذي يغلب على سلوكهم تجاه الآخر في مجتمعاتٍ أخرى، يقابله – على النقيض تماماً – عدم استعدادهم للاعتراف بالخطأ في حق الآخر القريب، في ذات المجتمع. فالاعتذار بشجاعة عن الخطأ الشخصي أو الاعتراف الصريح بالخطأ العام في السودان هو في حكم النادر – أو الاستثناء – والنادر لا حكم له..!
(3)
مُشكلة معظم المستهلكين مع أشهر بسكويت شاي في السودان ليست في الجودة، لأن جودته عالية، وليست في المذاق لأنّ مذاقه رائع، بل تكمن المشكلة في اختلاف درجة الهشاشة أو الصلابة من عُبوَّةٍ إلى أخرى. حتى وإن جرَّبتَ شراءه بالجملة ستجد دوماً أن الكرتون الواحد يحتوي على مغلفات متفاوتة. عُشَّاق الشاي بالبسكويت يفهمون جيداً ما أعنيه، تغميس البسكويت في الشاي عادة سودانية أصيلة تتطلّب احترافيةً في تحريك اليد وفي ضبط التوقيت معاً، وذلك بناءً على علمٍ مُسبق بدرجة الصلابة المذكورة آنفاً. هي – على كل حال – إحدى إشكالات الحياة، أن تعتاد على حال ثم تبني أفعالك وردودها عليها، قبل أن تتغير تلك الحال، فتحتاج بعض الوقت قبل أن تنجح في إعادة ضبط ما تتوقعه – بعد تحديث معلوماتك – بناءً على ما قد بلغك من العلم..!
صحيفة الصيحة