تحقيقات وتقارير

مخدر (الآيس) .. آفة العمر .. قصص وروايات مُؤلمة ..!!

* مدير مركز: حالات الإدمان وسط الفتيات تكاد تكون أقرب من الأولاد إن لم تكن أكبر

* باحثة اجتماعية: الشباب مُستهدف وفق عمل سياسي بحت

* مسؤولة ملف علاج الإدمان في الشرق الأوسط: 90 % من المدمنين متعاطي آيس، وبين 10 آيس 4 حالات كبد وبائي

* متعاط: بسبب العنف الأسري أصبحت مدمنا على المخدر

* متعاط: لم أعلم أن هذه الصداقة هي نهاية مستقبلي

* متعاط: تجربة فاشلة تهدف إلى هدم الشباب بطريقة ممنهجة

* مركز علاج: نستقبل بشكل يومي 5 إلى 7 حالات إدمان، والمعدل الكُلى لمتعاطي (الآيس) يتجاوز 275 حالة

(الآيس).. مدمنوه خارج حدود السيطرة، عُرف في البداية بمخدر الأثرياء نظرًا لغلاء سعره، لكن مع كثرة تداوله ،صار ينتشر بصورة سريعة وانخفض سعره، تأثيره يتجاوز كل أنواع المخدرات يُدمر الخلايا والقلب والشرايين والجهاز العصبي تظهر أعراضه مجرد البدء في تعاطيه. وبحسب المختصين النفسيين أنه من الصعب علاج حالات المدمن في المنزل، نظرًا لخطورته الشديدة، بل يجب الذهاب إلى مراكز والمستشفيات المخصصة لعلاج الإدمان. هذا المخدر أقلق السلطات والمواطنين والشباب، وحيث شهدت الفترة الأخيرة تفشيا لافتاً لمخدر (الآيس) في مجتمع يعاني في الأصل من أزمات سياسية واقتصادية خانقة، ولا يكاد أن يمر يوم دون إعلان ضبط شحنة مخدرات.

قصص من الواقع:
عنف وخروج عن المألوف، قصص مأساوية لمدمنى (الآيس)، استمعت لها صحيفة (الجريدة) بعد أن فُتح لها الباب للسماع من منظمة بت مكلي لعلاج الإدمان ومركز قادرين لعلاج الإدمان..

القصة الأولى لشاب عشرينى عبد الملك آدم، يروى أنه بعد أن أكمل مراحله التعليمية إلى أن تخرج من الجامعة، وهو واحد من آلاف الشباب الذين يعانون من البطالة، إن تجربته مع (الآيس) بدأت بغرض التجربة واللهو في عام 2019، واعترف بعد صمت طويل في حديثه لـ(الجريدة) بإدمانه للمخدر (الآيس) الذي يوصله إلى الشهوة العالية، ويقول: بدأ سلوكي يتغير اتجاه أهل بيتي وحتى أخواتي كنت أبعدهم عني، أصبحت عصبيا جداً وعنيف مع أسرتي مع تزايد الخلافات والضغط الأُسري دخلت في حالة اكتئاب، أيقنت بأنني يجب أن أبحث عن مخرجاً من هذه الأزمة بعلاج الإدمان وبالفعل شرعت في ذلك لكن بعد أن أصبحت أمارس السرقة من المنزل لشراء مخدر (الآيس).
واصفًا تجربته بالفشل وهو مخدر يهدف إلى هدم الشباب بطريقة ممنهجة، مشيرًا إلى أن نظرة المجتمع والأهل والشارع بدلًا من أن تكون توعوية وتشجيعية له كانت سلبية وهي ما جعلته مدمنًا لأكثر من 4 أعوام.

بداية المأساة:
وبلهجة تمتزج بالحزن والحسرة يروي المتعاطي (م. ع) الذي لم يبلغ العشرين من عمره قصته مع مخدر (الآيس) وكيف خسر مستقبله وأسرته، وشاءت الأقدار أن يتعرف على شاب في عمره يربط بينهما العمل في السوق، وبمرور الوقت وزادت متانة الصداقة بينهما، إذ بيوم يطلب منه أن يذهب معه إلى المنزل ومع اعتزامه الرافض وتكرار صديقه للذهاب معه استطاع أن يقنعه بعد محاولات ذهبا سويًا لمنزل صديقه، لم يكن يدري أن هذه الصداقة المتينة تكون نهاية مستقبله ولم يعلم أن صديقه مدمن مخدرات، ويقول: أخرج من حقيبته عدد من الحقن والمخدر والمحاليل الوريدية وبينما أنا في دهشة من أمري واتسائل ما هذا الشيء: يجيب (دا عِزّة في حياتك ما عشتها ولا شوفتها ألا تجربها) وبعد أن أخذ جرعة ورأيت اللحظة التي يعيشها لم أتمالك وانجرفت على هذا الفتاك اللعين، وجربته وبدأت عندها رحلة ضياع المستقبل، ويضيف: عامان من تعاطي (الآيس)، فقدت العمل مع والدي بعد أن قام بطردي من السوق كنت اشتغل معه، فقدت الدراسة واحترام الأسرة، فضلًا عن الوضع الصحي الذي مرت به الوالدة بعد أن علمت أن ابنها أصبح متعاطيا للمخدرات.

التوحش:
لا تقل قصة الشاب العشرينى عزمي عادل حسن عن قصص الآخرين، ولكن هنا من خلف القضبان المتهم الأول “الأسرة” والعنف الأسري الذي تعرض له من عمه بعد وفاة والدة، هذا بحسب حديثه لـ(الجريدة) ومضى قائلًا: أتحصل على (الآيس) من أصدقائي كنت أساهر معهم خارج المنزل والمنطقة التي نقطن بها، في الكافيهات والشوارع المظلمة، كانوا يتعاطون شيئًا لم أره في حياتي… فأنا أعرف“ البنقو ”وأنواع أخرى ولكن ما كانوا يتعاطونه شيئا غريبا وطلبوا مني أن أجربه، ترددت كثيراً ورفضت ذلك ولكنهم في نهاية الأمر أقنعوني أن أجرب، جربت في المرة الأولى، والثانية ولم أعد أتحمل العيش بدونه، كنت أتصل على أصدقائي لنذهب للتعاطي”. طيلة فترة تعاطى (الآيس) لم أشتره قط، أصدقائي وضعهم المادي فوق الممتاز وكانوا يجلبون مخدر (الآيس).

الغرام بـ50 دولاراً:
وبحسب متابعات لـ(الجريدة) عبر الأسافير أن سعر الغرام الواحد من المخدر يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه سوداني، أي ما يعادل 50 دولاراً أميركياً. ويكفي الغرام الواحد لثلاث جُرعات ويتم استهلاكه في أقل من أسبوع. إلى ذلك تكفي 9 جرعات فقط لتصل لذورة الإدمان. ومع ارتفاع ثمن الجرعات يبدأ المُدمن في بيع ممتلكاته ثم ممتلكات من حوله. ومن هنا يبدأ وقوع المشاكل وتتفاقم عندما يلجأ لمصادر أخرى غير مشروعة كالسرقة أو الاختطاف.

مواجهة المجتمع:
“بعد ظهور مخدر (الآيس) أصبح الوضع كارثياً في السودان، والسواد الأعظم تكرار دخول الشباب إلى مراكز العلاج بنسب كبيرة وشبه يومية” هكذا ابتدرت حديثها المعالج النفسي ورئيسة منظمة بنت ملكي لعلاج الإدمان ومسؤول ملف علاج الإدمان في الشرق الأوسط لبنى علي محمد، وأكدت في حديثها لـ(الجريدة) إن 90 % من المدمنين يتعاطون مخدر (الآيس) وأن وسط 10 متعاطي آيس 4 مصابين بالكبد الوبائي وأن هذا المرض ليس له علاج، وهنالك حالات من المتعاطين شرايينهم متفجرة. وأوضحت المعالجة أن عملية علاج إدمان (الآيس) طويلة ومكلفة للغاية، وأنهم في مركز قادرين لديهم صناديق دعم لعلاج المدمنين تحت شعارهم: “عندك خت ما عندك شيل”. مشيرة إلى أن ليس فقط سحب سموم التي تحتاج ما بين 10 إلى 14 يومًا هنالك جلسات ومتابعات نفسية أقصاها 10 جلسات، علاج (الآيس) بين 45 يومًا إلى 3 أشهر، فالإدمان مرض سلوكي لا يتم بين يوم وليلة. وتحدثت أيضًا عن العلاج ما بعد الجلسات وهو العلاج الجماعي والروحي فضلًا عن الرعاية اللاحقة (الأسرة) وهي مرحلة مهمة في العلاج وتليها مرحلة العلاج بالعمل بعد مرحلة التعافي وهي اكتساب المتعافي مهنة أو حرفة بالتعاون مع مراكز الاتحاد الأوروبي والمعاهد التركية تكون فترتها حوالي 6 أشهر بعدها يمتلك المتعافي مشروعًا في يده. وقالت المعالجة بعد إكمال دور المركز في مراحل العلاج يكون المريض غير قادر على مواجهة المجتمع فيحتاج إلى تأسيس نفسي لمواجهة الحياة الاجتماعية، لا يذهب المريض إلى المنزل مباشرة يأخذ فترة تسمى بالترويح النفسي وهو (علاج بالطبيعة) وهي خروج إلى مكان خارج وبعيد من المركز.

نواعم على الخط:
وفي ذات الإطار، أوضح المدير الإداري لمركز قادرين لعلاج الإدمان محمد نور الدين الهادي، إن قادرين أول مركز خيري لعلاج الإدمان في السودان تم افتتاحه في يوليو 2022، والذي يستقبل بشكل يومي من 5 إلى 7 حالات إدمان، وبعد شهرين من افتتاحه ترددت حالات دخول مدمني (الآيس) وأن المعدل الكُلى لمتعاطي (الآيس) يتجاوز 275 حالة، وحالات الشفاء التام بمعدل 90 حالة منذ افتتاح المركز مع جزء من حالات الانتكاسة لعدم الالتزام بالعلاج. وأضاف في حديثه لـ(الجريدة) يوجد متابعات ما بعد العلاج والخروج من المركز وهي مقابلة أسبوعية تتعدى ثلاثة شهور خوفًا من الانتكاسة والعبور بالمريض إلى بر الأمان دون الرجوع للمخدرات مرة أخرى.

وأكد الهادي إلى وجود حالات إدمان في البنات تكاد تكون بنسبة قريبة جِدًّا من الشباب لو إن لم تكن أكبر منهم، وقال إن علاجهم يختلف كثيرًا عن الأولاد لاختلاف الوضع وهو “الوصمة الاجتماعية” والحديث عنها بشكل سلبي ربما في ذاته يحتاج إلى معالجة، لافتًا: القمع الأسرى في التعامل مع البنت المدمنة دائمًا ما يأخر عملية العلاج في المراكز تتم المعالجة في المنزل بالقمع والحرمان وطرق كثيرة وخطرة دون الذهاب إلى مركز علاجي أو تحت إشراف ومختصين نفسيين عندها تكون الأسرة ساعدت في تأخير علاج الإدمان.
مضيفًا: حماية الأسرة والطفل أيضًا ساعدت عددًا من الفتيات المدمنين للآيس لتلقي العلاج في مركز قادرين.

استهداف الشباب:
ومن جهتها، أرجعت الباحثة الاجتماعية سمية البصير، السبب الرئيسي لظهور وانتشار مخدر (الآيس) سياسي بحت، مع غياب وجود حكومة فتحت الأبواب لاستهداف وتحطيم الشباب بطريقة ممنهجة تحديدًا بعد ثورة ديسمبر، وأصبحت المخدرات على مرآة ومسمع المواطنين في الشوارع العامة والرئيسية. وتابعت: البلاد تعيش في حالة اللادولة بعدم وجود حكومة ورقابة، بجانب إن كثيرة البطالة والوضع الاقتصادي المزري ساهم في ذلك، وأضافت البصير عدم وجود ثقافة الاعتماد على الذات في الأسر السودانية والاعتماد على مصدر دخل واحد في المنزل جعل الشباب من الفراغ والبطالة اللجوء إلى الشارع ورفقة أصدقاء السوء بديلًا للعمل وكانت النتيجة إدمان المخدرات.

مآب الميرغني
صحيفة الجريدة