صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب : زربوخين!


ومن هو؟..

سنأتي إلى ذكره..

ولكنا نبدأ بفكرة كلمتنا هذه… وهي تبادل المراكز..

كما في كرة القدم..

فلأسباب تاكتيكية يعمد المدرب – أحياناً – إلى إجراء تبادلٍ في المراكز..

وقد ينجح – الإجراء هذا – وقد يفشل..

ولكن في مجالاتٍ حياتية أخرى ربما يحدث مثل هذا التبادل في المراكز..

سواء بوعي… أو بدونه..

ففي الثانوية – مثلاً – كان معنا زميلان تشابها في شيء… واختلفا في شيء..

تشابها في التميز الدراسي..

بل كلٌّ منهما كان الأول على فصله… واختلفا في موقفيهما تجاه الدين..

اختلفا إلى حد التناقض..

أحدهما في أقصى اليمين… والآخر انتحى ركناً قصياً بأقصى اليسار..

والثاني هذا هو عبد الله الصافي..

وهو الآن محامٍ متميز في مهنته كذلك… والأول نحجم عن ذكر اسمه..

فالثاني كان يسارياً قحاً..

والأول كان متزمتاً دينياً – ومتجهماً – إلى درجة أننا كنا نتحاشاه قدر الإمكان..

فهو إما يدرس… أو يصلي.. أو يتلو القرآن..

ثم لا يتكلم… ولا يضحك… ولا يلعب… ولا يمزح… ولا يروِّح عن نفسه..

ومرّت الأيام… والشهور… والسنوات..

فإذا بالأول يضحى يمينياً يعظ في المسجد… والثاني لا يقرب المسجد أبداً..

وفي الفترة تلك ذاتها كنت ألعب مهاجماً..

ومُعظم الأهداف التي أحرزها كانت عفوية… ويظنها البعض أهدافاً ملعوبة..

فالشيء الوحيد الذي كنت أجيده الجري..

ثم حين أجد نفسي قد بلغت المرمى أشوت الكرة – بقوة – كيفما اتفق..

ولكني كنت أشتهي وظيفة حراسة المرمى..

وفي يومٍ كانت لدينا مباراة ودية – غير ذات أهمية – مع فريق مربع 6..

فاقترحت على حارس مرمانا تبادلاً للمراكز..

أي أن نبدل مركزينا… فيأتي هو بمكاني مهاجماً… وأرجع أنا لمحله حارساً..

فوافق؛ سيما وأنه كان – على عكسي – يشتهي الهجوم..

وعندما انتهى اللقاء لم يحرز هو هدفاً؛ وولجت مرماي أنا جملة أهداف..

وسلاطين باشا كان قائداً… فصار تابعاً..

لقد جرى تبادل في المراكز – دون رغبةٍ منه – مع بعض من كان يرأسهم..

وذلك بعد سقوط دارفور في قبضة المهدي..

ومن قبل هذا كانت دارفور في قبضته هو… ويحكمها بقبضة فولاذية..

وحين ذهب لاستلام دارفور كان برفقته زربوخين..

وهو طبيب… وصيدلي… ومفتش صحي؛ وكان أكبر من سلاطين عمراً..

ثم يبدو أكثر منه هيبةً..

هكذا يحكي سلاطين – ضاحكاً – في كتابه السيف والنار في السودان..

وسبب الضحك تبادلٌ جرى في المراكز..

فقد بلغ مقصده – بدارفور – قبل زربوخين… فاستقبل بفتور شديد..

وسئُل عن الحاكم الجديد..

وكانت هنالك أبسطة… ومفارش… وذبائح… وعمد… ومشائخ… وأعيان..

فقال لهم إنه سيصل عما قليل..

ووصل زربوخين فعلاً… فضج الفضاء بالصياح… ودوي الطلقات..

فأُصيب زربوخين هذا بالإغماء..

وفرقة غنائية – شبابية – بحينا قديماً كانت قد نالت شهرة في المنطقة..

وغالب أفرادها هواة… وطلاب مدارس..

وانداحت شهرتها إلى مناطق مجاورة أخرى حتى كادت تعم المدينة كلها..

وذات مساء أُصيب مطرب الفرقة بالتهاب في حلقه..

وكانت إصابة مفاجئة؛ قبل موعد حفلٍ – في الأمسية نفسها – بنحو ساعة..

أو تفاقمت بحة صوته في هذه الفترة..

فاقترح المشرف الإداري على الفرقة إجراء تبادل مراكز اضطراري..

رأى أن يعود المطرب إلى الخلف كفرد كورس..

وأن يتقدم إلى الأمام – مطرباً – فردُ كورس آخر كان الأحسن صوتاً..

أحسن صوتاً من بقية زملائه الشيالين..

ولكنه بات الأفضل صوتاً حتى من المطرب الرئيسي… هكذا حكم الناس..

والأفضل أداءً – وتطريباً – كذلك..

ومنذ ذاك المساء ثبت البديل هذا مطرباً… وتراجع المطرب شيالاً..

وفي أيامنا هذه أتمنى تبادلاً مؤقتاً في المراكز..

أن أتقدم أنا إلى القصر ممثلاً لمركزية صنع القرار..

وأن يتراجع أفراد المركزية هذه إلى الوراء قليلاً؛ مفسحين لشخصي المجال..

ريثما اتّخذ من القرارات ما أراه مُهمّاً..

ما أراه مُهمّاً للمرحلة… وللبلاد… وللثورة… وللجميع..

وأول هذه القرارات إبعاد جبريل عن منصبه – فوراً – كوزيرٍ للمالية..

ثُمّ توجيه دعوة تفاكرية إلى مركزية لجان المقاومة..

بمعنى تجاوز مَن يسمون أنفسهم مركزية قِوى الحرية والتغيير..

وتجاوز شخصٍ اسمه حمدوك تماماً..

ويُفضي التفاكر هذا إلى خطوة عملية… إلى الشروع في تكوين حكومة..

حكومة تصريف أعمال من كفاءات مستقلة..

وبعد وضع القرار هذا موضع التنفيذ أتراجع إلى موقعي صحفياً..

ثُمّ أضحك على الذين سُيصابون بحالات إغماء..

بحالات مُشابهة أسوأ من التي حدثت لرفيق سلاطين باشا..

زربوخين!.

صحيفة الصيحة