صلاح الدين عووضة يكتب : أبشتن هي!
ولا تعجب..
ولا تظن أننا نكتب اليوم بلغة نوبية… أو لاتينية… أو سواحلية… أو هيروغلوفية..
فمفردة أبشتن هي عامية سودانية..
وتعني أبهدل… أكسِّر… أطلِّع عينه؛ أما مفردة هي فاسم إشارة مؤنث..
بمعنى أنه يشير إلى مذكر..
ولكن اللسان النوبي مارس عادته في تذكير المؤنث… وتأنيث المذكر..
فالحكاية حدثت في شمالنا الأقصى..
وذلك حينما مسك ابن أحدهم صبياً من الجيران وانهال عليه ضرباً مبرحاً..
أمسك به هو بدلاً من أخيه الأكبر..
رغم أن الأكبر هذا هو الذي ضربه… ثم ولّى هارباً… وأراد أن ينتقم..
والانتقام هذا لم يقدر عليه إلا بمعاونة أبيه..
فهو الذي طلب من ابنه المضروب أن يضرب شقيق الضارب الأصغر..
ثم أشرف بنفسه على عملية الضرب هذه..
وعاتبه الجيران على قانونه المعيب هذا؛ أي أخذ البرئ بجريرة المذنب..
فصاح فيهم: لا؛ بس يبشتن هي..
والترجمة العامية – الدارجة – للعبارة المبشتنة هذه: لا؛ بس يبهدله هو..
فالمذنب هرب… واختفى..
وحتى إن لم يهرب لما قدر عليه ولده؛ إذن فليبشتن هي… الأخ الأصغر..
ولنبشتن نحن الابن الأصغر – المدني – للثورة..
رغم أنه ابن غير شرعي… وعملٌ غير صالح… ثم بعد ذلك كله عاق..
أما الابن الأكبر – العسكري – فقد عمل ما يليه..
فقد انحاز للثورة؛ ولكنه اجترح خطأً فادحاً بجلوسه مع الابن غير الشرعي..
وظنّ أن الابن هذا هو وليد الثورة..
وما درى أن أمثاله ممن يُطلق عليهم – عالمياً – مصطلح لصوص الثورات..
وأتوا من كل فجٍّ عميق؛ من الداخل والخارج..
فبشتنوا الثورة؛ ثم لما دانت لهم السلطة عاثوا بشتنةً في المجالات كافة..
بشتنوا الاقتصاد… والخدمات… والعدالة… والحريات..
ثم بشتنوا الناس في معيشتهم… وأضحت الصُّفوف هي مقصدهم ومستقرهم..
فما أن يفرغوا من صف حتى ينتظموا في آخر..
وبشتنوا الكهرباء… وبشتنوا الناس بانقطاعها؛ وكذلك المياه والوقود والغاز..
ثم كادوا أن يبشتنوا حتى الأخلاق..
فعمدوا إلى تبني سيداو… فالحريات غير المُنضبطة… فجواز تعاطي المسكرات..
كادوا أن يفعلوا ذلك لولا أن بشتنهم الابن الأكبر..
وذلك بعد أن أوسعناهم نحن بشتنةً؛ وطالبنا الأكبر هذا بوقف عبث الأصغر..
ويُعاتبنا البعض الآن على تمادينا في البشتنة هذه..
وردنا أن العاق هذا – والذي هو عملٌ غير صالح – يسعى إلى العودة..
يسعى إلى أن يعود إلى السُّلطة مَرّةً أُخرى..
فيواصل ما كان انقطع من مسلسل البشتنة؛ ولذلك نواصل نحن في البشتنة..
ولن يهدأ لنا بالٌ إلى أن نخلص منه نهائياً..
إلى أن يحول بيننا الموج فيكون من المغرقين… ويبحر فُلْكُنا إلى جبل الخلاص..
أما جبله الذي أوى إليه ليعصمه من الماء فسيغرق معه..
وتغرق حقبةٌ هي الأسوأ في تاريخ السودان المُعاصر منذ نيله استقلاله..
وإلى أن يحدث ذلك فليس لنا سوى هدفٍ واحد:
أبشتن هي!.
صحيفة الصيحة