حرائق المستشفيات والوزارات بولاية الجزيرة – شماعة الماس الكهربائي
حرائق مخازن مستشفى مدني والنساء والتوليد .. شكوك خلف الدخان!
لغز الزائر الخفي بمستشفى جراحة وأمراض الكلى بمدني شاشات المراقبة داخل مكاتب المديرين مجرد ديكور وإضفاء طابع الهيبة والأهمية على المدير العام
معظم توصيلات شبكات الكهرباء الداخلية بالوزارات والمؤسسات عشوائية تنذر بكارثة كهربائية
مدني- تحقيق ـ شمس الدين حاج بخيت
**خلال الأعوام الأخيرة أطلت ظواهر خطيرة بشأن تعديات أمنية وإدارية على عدد من مؤسسات حكومة ولاية الجزيرة، أبرزها وزارة المالية ووزارة الصحة ومخازن ومستودعات وزارة الصحة، فضلاً عن مستشفيات مدني والنساء والتوليد عطفاً عن التكتم الحكومي من قبل حكومة ولاية الجزيرة نفسها إزاء كل هذه الحوادث دون التوصل للجناة مما يدلل على الضعف الواضح في المعالجة .. هذه الظواهر ظلت تشكل هاجساً أمنياً لدى المواطنين والوزارات نفسها .. ورغم أنها حدثت منذ فترة إلا أن صداها وآثارها باقية حتى يومنا هذا لدى الكثيرين الذين تأسفوا لإغفالها وعدم الاهتمام بها وقتها من قبل حكومة ولاية الجزيرة والأجهزة الأمنية، مما جعلها تتكرر خلال الأيام الماضية وبنفس السيناريو .. والأغرب التكتم عليها من السلطات الأمنية سيما في ملف حرائق مستشفى النساء والتوليد الذي حدث بفعل فاعل، وتم القبض عليه إلا أنه وحتى الآن لم تتضح الحقائق ومن وراء هذا العمل ودوافعه**
من؟ ولماذا؟ وكيف؟
بالتأكيد حين نسمع ما حدث من فوضى وسرقات داخل أهم وأكبر وزارات ولاية الجزيرة ـ (المالية) ـ وفي أكبر مكاتبها الذي يعتبر الأهم فيها ـ (الاستثمار) ـ يقودنا للتساؤل والدهشة: كيف حدث ذلك؟..وماهي المرامي والأهداف؟..وما ردود أفعال حكومة الجزيرة والأجهزة الأمنية؟.. ولماذا التكتم على السرقة في الأصل؟.. وماهو مصير الفاعل؟.. ومن يكون؟..الكثير من التساؤلات نطرحها هنا علها تجد إجابة واستجابة.. وما رشح يقول إن الجاني قصد مستندات هامة لها أبعادها حاول سرقتها وإخفاءها.
التعديات والسرقات طالت حتى الوزارات الصحية والإنسانية والتي تعمل على خدمة الإنسان ألا وهي وزارة الصحة بالجزيرة والتي أحدثت وقتها تشوهات على الواقع داخل الوزارة والمجتمع على حد سواء.. وامتدت التشوهات والسرقات حتى وصلت مستودعات ومخازن وزارة الصحة بسرقة عدد من الأجهزة والمعدات الطبية!!.
الحريق الأخير
الأسبوع الماضي امتد مسلسل الحرائق إلى مخازن مستشفيات مدني والنساء والتوليد والذي خلف الكثير من الخسائر في المعدات والأجهزة الطبية، تاركاً وراءه عدداً من التساؤلات وعلامات الاستفهام الحيرى رغم القبض على الفاعل والذي قصد فعلاً إشعال المخازن، مما يعني أن هنالك أمراً جللاً خلف كواليس الحريق، إلا أن التحريات لازالت تتواصل مع الفاعل بغرض الوصول للحقيقة كاملة، فهل يتم اكتشاف ماذا خلف الدخان؟!.
حريق مخزن مستشفى ود مدني التعليمي اندلع الساعة الثالثة صباحاً الأسبوع الماضي، ويحتوي المخزن على كميات من الأجهزة والمعدات المنتهية الصلاحية، وقد تمكنت قوات الدفاع المدني من إخماد الحريق بحمد لله تعالى خلال فترة قياسية ولم تحدث خسائر في الأرواح بل في بعض الأجهزة.
دكتور (أسامة عبد الرحمن أحمد الفكي) وزير الصحة المكلف ولاية الجزيرة بالجزيرة قال وصرح قائلاً:”العمل جاري للتقييم ومعرفة الأسباب التي أدت للحريق، ووضع التدابير اللازمة حتى لايتكرر حدوث حرائق مماثلة”.
من خلال جولة الصحيفة بوزارات ومستشفيات حاضرة ولاية الجزيرة مدني لاحظنا أن توصيلات الكهرباء الداخلية في منتهى الخطورة وتعتبر أكبر مهدد للزوار والموظفين معاً، لأنها موصلة بطريقة عشوائية علاوة على أنها قديمة ولم تجدد، وأغلبها توصيلات خارج الجدران وواضحة للعيان، فضلاً عن وجود الكيبلات والأجهزة بالخارج بصورة تدعو للتخوف من حدوث كارثة كهربائية.. وننبه وقبل (وقوع الفأس في الرأس) ضرورة مراجعة توصيلات الكهرباء وتحديثها وتغيير الأسلاك الكهربائية (الناشفة). بصورة أكثر أماناً.
مستشفى جراحة وأمراض الكلى بمدني واحد من المؤسسات الصحية ذات القيمة العالية خدمياً وتعمل منظومته على مدار الساعة رغم شح كوادره..إلا أنه وللأسف ظل يتعرض هو الآخر لتعديات وسرقات لبعض المعدات والأجهزة بصورة غريبة ظلت محل دهشة العاملين داخل المستشفى، حيث أن الفاعل مجهول ويطلقون عليه هنا (الزائر الخفي).. والغريب أن ملف السرقات بهذا المستشفى الحيوي الهام تم إغلاقه كسابقاته من ملفات السرقة والحرائق بالمرافق الأخرى!!.
طمس الوثائق
حرائق المخازن وطمس الوثائق القديمة يرى البعض أنها إشارة واضحة لمخالفات مالية وإجرائية ويرجحون فرضية الاختلاسات سواء المالية أو للعهد، ونادراً ما يتم اكتشاف سبب الحرائق حيث يتم إلصاق السبب بعد لجنة التحقيق التي تشكل لمعرفة أسباب الحريق بــ(تماس كهربائي).. فالكهرباء أصبحت هي المتهم الوحيد في الحرائق المتكررة.. ومع تكرار الحرائق داخل بعض المستشفيات والوزارات كشف تحقيق (الحراك) الصحفي عدم وجود أي آليات للحماية من الحريق كالطفايات وأجهزة الإنذار المبكر خاصة داخل المخازن، سواء بالمستشفيات أو الوزارات المختلفة رغم أنها تحتوي على أموال وأصول ووثائق مالية غاية في الأهمية، وهذا يحتم وجود كاميرات مراقبة (حقيقية) وليست (ديكور)، وأجهزة حساسة غالية الثمن.. كما لاحظنا انعدام ثقافة الحماية والأمن من الحرائق في معظم الوحدات الحكومية ليس بولاية الجزيرة فحسب، بل بكل الولايات.
ومن العبث والإهمال غياب أجهزة السلامة المختلفة عن أكبر وزارات الولاية ألا وهي وزارة المالية والتي تعد وزارة إستراتيجية ذات أهمية قصوى، ورغماً عن ذلك تفتقر لأجهزة الإنذار التي تعمل عند اندلاع حريق.. الأمر حقيقة يدعو للحسرة أن نرى وزارات حكومة ولاية الجزيرة ومستشفياتها عُرضة للمخاطر بسبب الإهمال الإداري واللامبالاة والروتين الحكومي البغيض، وكأننا نقف مكتوفي الأيدي في انتظار حدوث الكارثة حتى تقع ثم نبحث بعدها عن الفاعل وهو غالباً (تماس كهربائي)، غير مبالين بالخسائر المليارية من المال العام مال هذا الشعب الصابر والذي يتحملها غصباً عنه ورغم أنفه..يحدث ذلك رغم أن كثيراً من الوزارات والمستشفيات والوحدات الحكومية المختلفة تصرف على نفسها برفاهية مفرطة وبذخ غير مبرر، في الوقت الذي تبخل فيه تركيب كاميرات مراقبة وأنظمة السلامة.
هشاشة نظام الحماية
(عروة عثمان توفيق)، إعلامي ومدون صانع محتوى وناشط مجتمعي تحدث لـ(الحراك) حول هذه القضية المتشابكة بل الغامضة محللاً أسبابها بقوله:”نظام الحماية والسلامة في المؤسسات الحكومية والخاصة هش وضعيف للغاية ليس بولاية الجزيرة فحسب، بل بكل الولايات.. ورغم الجهود التي بذلتها حكومة ولاية الجزيرة لتقوية نظام الحماية والمراقبة في بعض المؤسسات الحكومية بتركيب كاميرات مراقبة وأجهزة الإطفاء الذاتي للحرائق، والطبلونات الحديثة لعزل التيار الكهربائي عند اندلاع حريق، إلا أن كل هذه الجهود لم تفِ بالمطلوب في تأمين هذه المؤسسات، ويعود ذلك لعدة أسباب منها أسباب إدارية وأخرى فنية، فالأسباب الإدارية تتمثل في أن أغلب قيادات ومديري المؤسسات تنقصهم الإرادة لتفهم فعالية وأهمية هذه الأجهزة المشار إليها، فيرون أنها ليست ذات جدوى وبعضهم يحسب أنها مظهر من مظاهر الترف وإضاعة المال العام ولذلك يدرجونها في آخر قائمة ميزانيات المؤسسة، بجانب أنها مكلفة من ناحية التسيير والصيانة والإحلال والإبدال.. أما الأسباب الفنية فتعود للبنية التحتية لهذه المؤسسات فمعظمها لم تستوعب وتستصحب في مرحلة تخطيطها وإنشائها أنظمة الحماية، فنجد الخرط الكروكية قديمة وغير محدثة لتواكب التطور التقني والتكنولوجي في مجال أجهزة الحماية والسلامة، فضلاً عن منافذ الدخول والخروج في حالة الطوارئ.. واللوم كل اللوم يقع أيضاً على بعض الشركات الخاصة التي تقوم بتوريد وتركيب أجهزة الحماية وكاميرات المراقبة فمعظمها ليس لديه الخبرة الكافية، وينقصها جانب التدريب والمواكبة وغالباً ما تميل لإستيراد الأجهزة والمعدات الأقل سعراً، وبالتالي الأقل جودة وفعالية.. هذا بجانب الصعوبات التي تواجهها في عملية الإستيراد والتسويق وغياب ثقافة الحماية والسلامة لدى مجتمعنا السوداني.. كما نلحظ عدم وجود أفراد حماية متخصصين يقيمون بصورة دائمة في المنشأة ومؤهلين، لذلك غالباً تجد شاشات المراقبة تقبع داخل مكاتب المديرين كشكل من أشكال الديكور والرفاهية ولإضفاء المزيد من الهيبة والأهمية للمدير، بينما يفترض أن تكون منفصلة ولها مدير وطاقم حماية فني ثابت ومتحرك، ووحدة تخزين متطورة.
يصاحب كل ذلك ضعف القوانين الجنائية والعقوبات الرادعة والتي جعلت ممتلكات الدولة داخل المؤسسات والوزارات الحكومية لقمة سائغة، للصوص المال العام والذين بعد أن يقوموا بسرقة المال العام أو التزوير يلجأون لطمس جرائمهم المتعلقة بالاختلاسات بعود ثقاب لحرق كل دليل يمكن أن يقود إليهم.. فالقانون والردع وحماية المؤسسات العامة من الحرائق والسرقات غائبة تماماً.. وربنا يصلح حال مؤسساتنا ووزاراتنا ويحميها من عبث العابثين”.
روشتة الحلول
بمثل ما تطرقنا لإبعاد قضية السرقات والحرائق التي وقعت داخل وزارات ومستشفيات ولاية الجزيرة وحتى لا يتكرر الأمر في ذات المؤسسات أو غيرها كان لابد لنا بذات الشفافية، أن نطرح الحلول الناجعة للجهات ذات العلاقة داخل حكومة ولاية الجزيرة وكذلك الأجهزة الأمنية لوضع حد لتطورها.. وهي حسب بعض الحادبين على سلامة المرافق العامة بمدينة ود مدني تتمثل في الآتي:
ـ أولاً: العمل على حوسبة عمليات الرقابة بشكل علمي متطور بوضع كاميرات مراقبة داخل وخارج الوزارات والمستشفيات، وربطها بشبكة واحدة مع الأجهزة الأمنية والشرطية.
ـ ثانياً: العمل على تجنيد موظفين من داخل الوزارات والمستشفيات للعمل بنظام الورديات ليل ونهار مع تحفيزهم، بغرض المراقبة والمتابعة مع تدريبهم على هذا الأمر.
ـ ثالثاً: وضع ضوابط مشددة على مداخل الوزارات والمستشفيات لضبط دخول الزوار والموظفين.
وفي اعتقادنا أن هذه الحلول لو تم تنفيذها قد تسهم كثيراً في وضع حل جذري، لهذه القضية التي أرقت كثيراً حكومة ومجتمع ومواطن الجزيرة الخضراء.
الحراك السياسي