الرسوم الجمركية على كراسي الإعاقة .. إعاقة جديدة
الرسوم الجمركية على كراسي الإعاقة..
هنالك منصرفات اضافية مرتبطة بالاعاقة وغير مرئية للاشخاص العاديين وتتمثل في الأجهزة المساعدة للمعاق من (كرسي وسماعة وعصا) بجانب المساعدة البشرية في المساعديين والمرافقين وهذه قد تستهلك ٤٠ ـ ٨٠% من دخل الاسرة التي بها فرد من ذوي الاعاقة
إعاقة جديدة..
* زيادة الضريبة الجمركية على معينات ومسهلات الحركة لأصحاب الإعاقات الحركية، من نسبة 3% إلى نسبة 10%
السودان قرارا بزيادة رسوم جمارك كرسي اصحاب الاعاقة وذوي الهمم من ضمن قائمة التعديلات الجمركية، قرار هئية الجمارك جاء تزامنا مع احتفالات دول العالم بيوم الكراسي العالمي الذي دائما ما يشهده الاول من مارس من كل عام، تم إطلاق هذا اليوم لأول مرة في العام (2008) بهدف تمكين مستخدمي الكراسي المتحركة من الاحتفال بالتأثير الإيجابي للكرسي المتحرك في حياتهم. والاحتفال بالعمل الرائع للملايين من الأشخاص الذين يوفرون الكراسي المتحركة، والذين يقدمون الدعم والرعاية لمستخدمي الكراسي ويجعلون العالم مكانًا أفضل وأكثر سهولة للأشخاص الذين لديهم تحديات في التنقل والحركة بجانب لاعتراف بحقيقة أن هناك عشرات الملايين من الناس في العالم يحتاجون إلى كرسي متحرك، ولكنهم غير قادرين على الحصول عليه. كحال كثير من معاقي السودان لكن المعادلة تختلف هنا حيث أن العالم يحتفل بيوم الكرسي العالمي وفي السودان يعاقب من يستخدم هذا الكرسي بعبء مالي اضافي. وكشفت جولة (الجريدة) عن تباين اسعار الكراسي المتحركة حيث بلغ اعلاها كرسي حمام (١٥٠) ألف إلى (٩٥) ألف.
(1) هل الاعاقة ذنب
عندما طالعت منشور هيئة الجمارك سألت (فاطمة) ذات العشرين عاما وهي تدرس بجامعة النيلين، كيف لها أن تتخيل نفسها بدون هذا الكرسي فقالت لا اعلم ولكني متسامحة مع إعاقتي وربما ظروفي الاسرية افضل من غيري من اصحاب الإعاقات، أهلي استطاعوا أن يوفروا لي هذا الكرسي في وقت لا تستطيع العديد من الاسر توفيره، والان سيصبح باسعار مضاعفة ولن يستطيع كثيرين شراءه واضافت فاطمة (كيف لبنت مثلي أن تقضي حاجاتها الصحية في اسبوعها الصحي، كيف ستضع فوطتها الصحية بدون استخدام الكرسي) واردفت بالقول هنا يأتي اليأس وربما الانتحار فاطمة اكتفت وصمتت وقالت يبدو أن الاعاقة في هذا البلد تعتبر ذنب مشهود.
(2) بيان شديد اللهجة
جمعية خريجي جامعة الخرطوم اصدرت بيان شديد اللهجة استنكرت فيه قرار هئية الجمارك، وقالوا في بيان لهم تلقت (الجريدة) نسخة منه، أن قرار الجمارك ينم عن قدر كبير من انتهاك القوانين والأعراف الدولية والوطنية، وتجاوز كبير لأبجديات وواجبات الدول تجاه مواطنيها، وتجاه قيمها ومثلها العليا التي كان عليها أن تنتهجها درباً واضحاً في بند السياسات العامة وبند القيام بالأعباء الطبيعية المفروضة عليها عرفاً وقانوناً. واضاف البيان أن نص القرار في متنه، وبموجب ما اسماه “قانون الرسم الضريبي الإضافي” بزيادة الضريبة الجمركية على معينات ومسهلات الحركة لأصحاب الإعاقات الحركية، من نسبة 3% إلى نسبة 10%. كإنما يريد أن يقول أن الآعاقة قد أصبحت ذنباً يعاقب عليه صاحبه صباحاً ومساء، فكيف ترتفع الضريبة الجمركية على معينات الحركة والمعينات التسييرية وإمكانيات الوصول لتقعد الشخص ذا الإعاقة أكثر فأكثر في إعاقته ليس بخارج منها، واكد البيان أن الزيادة مرفوضةً جملةً وتفصيلاً، لما تتضمنه من إخلال كبير بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولما فيها من قفز على معطيات الواقع.
وفقاً للاتفاقيات الدولية المصادقة عليها جمهورية السودان، يقع على الدولة ممثلةً في حكومتها إجراء كل ما يلزم لتوفير إمكانية الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة وتوفير بيئة معينة ملائمة بالكامل لجميع الاحتياجات والإعاقات، وتأتي على قمة هذه المعينات والميسرات بطبيعة الحال كراسي الحركة. والتي بدل أن تقوم الدولة بتوفيرها بصورة مجانية لكل المحتاجين لها، تقوم وبكل بساطة بزيادة الضريبة عليها وتحويلها لبقعة استثمار كسول وفاقد للحس السليم، وبالتالي فإن هذا القرار يعتبر نكوصاً واضحاً عن واجب الدولة المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة (2006).، ومخالف لتوجه قانون الأشخاص ذوي الإعاقة القومي لسنة (2017) الذي ذكر من ضمن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الفقرة (خ) من المادة الرابعة ” إعفاء الأجهزة التعويضية الطبية والإلكترونية ومعينات العمل والحركة والتعليم الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة من الضرائب والرسوم الأخرى والرسوم الجمركية، بموافقة وزير المالية”
وافاد البيان أن قرار الجمارك لا يرى من المواطن إلا جيبه، ولا يرى في الإعاقة إلا كونها وسيلة استثمار ناجحة، فكلما زاد الطلب للحوجة الماسة يجب أن تزداد أسعار العرض، وهذه السياسة لا تضع في الاعتبار إلا المال والأموال، ناسيةً؛ أو متناسية أن أصحاب الإعاقات الحركية، وبموجب سنين من التمييز والبيئة غير الدامجة والمنفرة التي ساهمت الدولة في تكوينها، هم من أكثر فئات المجتمع حاجةً للدعم وتقديم يد العون بدلاً عن أن تستغلهم الدولة وتستغل حاجتهم، فنحن لا نعيش في عالم تكون فيه الدولة نفسها آكلةً للحوم مواطنيها بدل أن تقوم برعايتهم.
ونحن إذ نخاطب هذا القرار المجحف بعبارات القانون والاقتصاد والحقوق والواجبات باعتبارها المنطلقات التي يجب تناول قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة من خلالها، فإننا فضلاً عن ذلك على يقين بأن وزارة الداخلية، لم تعد تتحدث بخطاب القيم الإسلامية والأخلاق السودانية السمحة والواجب الإنساني والحس السوي والسليم، فأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة في السودان ليست على أفضل حال، هم أخوتنا وأخواتنا، وآخرون غير معروفين تتحاشى أسرهم من إخراجهم للمجتمع، يستحقون الوقفة وشد الأزر من الدولة ومن غيرها، يستحقون التمييز الإيجابي في فرص التعليم والتوظيف، ويستحقون أن يكونوا على قدم المساواة مع غيرهم من غير ذوي الإعاقة. وقال البيان أن هذا القرار بهذه الصورة يفتقر لأبسط مقومات القيم الحميدة والواجب المعروف والمتعارف.
لا ننسى في هذه السانحة، أن نقدم أسفنا وخيبتنا من تعبير وزارة الداخلية عند وصفها للمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة بعبارة محطة من القدر تنم عن جهل فاضح بأساسيات التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة ، وهي عبارة ” العجزة وأصحاب العاهات”. وصف ” أصحاب العاهات” هذا فضلاً عن كونه مخالف لما جاء في قانون الأشخاص ذوي الإعاقة القومي لسنة (2017)، فإنه وصف غير لائق، ويعيد مفهوم الإعاقة مرة أخرى لدائرة الشخص ذي الإعاقة نفسه دون أخذ في الاعتبار العوامل البيئية المحيطة وتوفر المعينات التسيرية. العاهة هي ليست في الشخص نفسه لأنه ليس له يد فيها، العاهة هي محاولة هذا الشخص الحركة فيعجز ويفشل، لعدم توفر الكرسي المتحرك وعدم الاستطاعة.
(3) منصرفات غير مرئية
الخبير القانوني الرضي عبد الله قال لـ(الجريدة) أن هنالك وصمة وحواجز كثيرة يتعرض له المعاق ونجد أن مشاركتهم أقل في العمل والتعليم وهذا يضعف من نشاطهم الاقتصادي، واوضح الرضي أن هنالك منصرفات اضافية مرتبطة بالاعاقة وغير مرئية للاشخاص العاديين وتتمثل في الأجهزة المساعدة للمعاق من (كرسي وسماعة وعصا) بجانب المساعدة البشرية في المساعديين والمرافقين وهذه قد تستهلك ٤٠ ـ ٨٠% من دخل الاسرة التي بها فرد من ذوي الاعاقة وقال لابد من توطين وترسيخ فكرة برنامج الحماية الاجتماعية والتي تهدف وتعمل على برامج لمساعدة تقليل التكلفة الاضافية والمساهمة بتوفير الأجهزة مجانا للمعاقين واعفاءها من الجمارك واضاف الرضي وهو احد المعاقيين وناشط في حقوق المعاقين من المفترض أن توفر الحكومة التكنلوجيا المساعدة للمعاق وليس من المنطقي أن تنظر لأجهزتنا المساعدة كواحدة من السلع التي يجب أن تفرض عليها ضرائب جمركية علما بان هذه الأدوات ضرورية لضمان الكرامة الانسانية وأن عدم توفرها قد يؤدي الى الموت احيانا.
حوازم مقدم
صحيفة الجريدة