زاهر بخيت الفكي

زاهر بخيت الفكي يكتب: تركوها للجقور..!!


تناولنا في هذه الزاوية من قبل، الخبر المُتعلِّق بالجُثث المُتراكمة كانت، داخل (المخزن) في المستشفى الأكاديمي، نعم المخزن إذ لا يُعقل أن نُطلق عليه إسم مشرحة، فالمشرحة بالمواصفات المعروفة، في كُل الدُنيا (عدا) بلادنا، هي مكان لحفظ الجُثث المجهولة، وتلك التي تدور حولها شُبهات جريمة تُحفظ إلى حين تشريحها، كما تُعد المشرحة المُهيأة موضِعاً من مواضِع التكريم للآدمي بعد موته، وما حدث في مشرحة الأكاديمي، حقاً كانت فيه اهانة للميت، الذي لم يجد التكريم من أخيه الإنسان، في السودان حيّاً وميتا، فالروائح الكريهة المُنبعِثة من داخل المُستشفى، قادت أهل الحي لاكتشاف الكارثة، وتبرير المُستشفى وقتها أنّ عدم وجود التيار الكهربائي، وعدم الوقود، هو ما أدى إلى تلك الجريمة.
ومن يُحاسِب من يا عزيزي..؟
نهاية الإسبوع جاءتنا الأخبار، بخبرٍ بئيسٍ آخر، أعاد للأذهان حادثة المُستشفى الأكاديمي، وفي الخبر أنّ الفئران، وجدت في المشرحة ما لا يتوفّر في مخازِن الأغنياء، وما يُغنيها عن بيوت الفقراء، وفي المشرحة توفّر لها ما تقتات به، ووجدت فيها المكان الآمِن للتناسُل والتكاثر، إذ لم تترك جُثماناً إلّا وقضمت بعضه.
أهل الشأن قالوا عن الخبر، (كشف مدير الطب العدلي بالخرطوم، د. هشام زين العابدين، عن الاستعانة بشركات مبيدات لمكافخة الفئران والحشرات التي تكاثرت بصورة كبيرة في المشارح، ولا يوجد جثمان مكتمل بالمشارح، فهي ماتزال ملقاة على الأرض بطريقة فيها إهانة لأرواح الموتى. وقال هشام (الجقور شحمت) من أكل الجثامين، ورغم الاستعانة بشركة لمكافحتها إلا أنها موجودة وتكاثرت بشكل كبير، داعياً إلى إكرام الموتي بدفنهم ، مشيراً إلى أن معلومات الجثامين التي دخلت المشرحة موجودة، بالتالي لا داعي للاحتفاظ بها في مشارح غير مهيأة لذلك.
ويقول دكتور هشام أيضا، أنّ مشرحة مستشفى أم درمان، تبلغ قدرتها الاستيعابية نحو ثلاثمائة جثة، ولكن العدد الفعلي بها الآن أكثر من 2300 جثة مجهولة الهوية، وشكّل مجلس السيادة فريقاً فنياً مكوناً من أطباء وقانونيين وأجهزة الشرطة للتعامل مع الجثث المجهولة الهوية، ويقول إن الفريق وبعد مروره على عدد من المشارح قرر إغلاق مشرحة مستشفى بشائر فوراً، إذ أنّ الوضع في المشرحة لا يحتمل التأخير، وهي أصلاً مخصصة لمائة جثة فقط لكن عدد الجثامين حالياً أكثر من ألف، والجثث منتشرة في كل مكان، وبدأت بالتحلل والتعفن، وهو ما سيؤدي إلى أضرار بالصحة والبيئة.
اعتدنا للأسف، وفي سبيل إخلاء مسؤولياتنا، البحث عن أي شماعة نُلقي فيها كوارثنا، ولن ننتظر من ساسة الغفلة، أن يخرجوا علينا غداً للاعتذار، أو للبحث عن ما نُكرِم به موتانا، ولا ننتطِّر ممن أهانوا الأحياء وبشّعوا بهم أن يُكرِموا الأموات، وإلى أن نجد شيئاً من الحلول ستقضي هذه الجُقور على ما تبقى من لحمٍ في الجثث، وستُجرِب العطام.

صحيفة الجريدة