رأي ومقالات

شيء من التاريخ…وقليل من السياسة.. “إنما هذه الدنيا شاة، من ظفر بها افترسها”


يقال إن أحد ولاة الدولة الفاطمية على اليمن-ويدعى على بن الفضل اليماني- خلع طاعة الخليفة الفاطمي في المغرب، فحذره صديقه ابن حوشب عاقبة التمرد وما قد يترتب عليه من انقسام في الدولة والمذهب معاً، وكتب اليه رسالة يعاتبه فيها قائلاً: كيف تخلع من لم تنل منه إلا خيراً، أما تذكر العهود بينك وبينه؟ فأجابه ابن الفضل قائلاً: “إنما هذه الدنيا شاةٌ، ومن ظفر بها افترسها”.

توقف المؤرخون عند هذه العبارة ليسجلوا أمرين، الأول: هو أن ابن الفضل استطاع بالفعل أن يفترس ولاية اليمن، ولكنها كانت فريسة عالية الثمن، صعبة الهضم؛ إذ انقلب عليه صديقه ابن حوشب، واشتعل بينهما الخلاف، فانقسم الاسماعيليون في اليمن إلى مجموعتين متصارعتين. أما الأمر الثاني فهو أن أعداء ابن الفضل انتهزوا فرصة انشغاله بحروبه الداخلية فدسوا له السم، فمات في سنة 303/915، أي قبل أن يهضم فريسته. ثم ذكر المؤرخون إنه بموت ابن الفضل عم الفرح أهل اليمن، وأرسلوا لأسعد بن أبى يعفر لاستئصال شأفة الإسماعيليين، فزحف أسعد إلى المذيخرة-عاصمة أبى الفضل-بعد أن حاصرها سنة كاملة ودمرها. فتأمل!

والسؤال: أين أخطأ ابن الفضل؟ وهل هو خطأ أخلاقي يعود إلى خيانة العهود، مع طمع زائد في السلطة؟ أم أنه خطأ سياسيي يعود إلى سوء في تقدير الموقف؟ أم لعله لم يخطئ، أليس من المحتمل أنه كان يتصرف في سياق ثقافة سياسية عامة لا تعاب فيها شهوة السلطة، بل يُنظر فيها إلى السلطة كنظر الصياد إلى الفريسة، متى ما ظفر بها افترسها؟ وأخيرا: لئن مات ابن الفضل قبل قرون خلت ألا نجد روحه حية بيننا؟

التجاني عبد القادر حامد