جعفر عباس

جعفر عباس يكتب: مارسوا اللطافة وليس الجلافة


لا أدري ولا أفهم لماذا نتصرف أحيانا بفظاظة وجلافة مع أناس نحبهم؟ مثلا يعلم جميع الرجال المتزوجين أن البيت مملكة الزوجة، وأنها تسعد بترتيب الأشياء فيه وإدارة أموره بحيث يكون مريحا لأجسام وخواطر من يقيمون فيه، والنساء عموما أكثر حبا للنظام وأكثر اهتماما بالجماليات، ويسعدن عندما توصف بيوتهن بالجمال ربما أكثر من سعادتهن بالتغزل بمفاتنهن، وشخص مثلي يعرف كل ذلك عن زوجته ومع هذا أعترف بأنني وفي أحيان كثيرة أمارس فوضى أعرف أن زوجتي ستتحمل عبء تصحيحها! قطعا لا أفعل ذلك بغرض زيادة أعبائها الثقيلة أصلا، ولكن: لماذا نقوم أحياناً بجرح مشاعر أناس عزيزين لدينا؟ لماذا نرفض اتخاذ مبادرات بسيطة تجعل من نحبهم يحسبون أننا نهتم لأمرهم؟ لماذا نصرخ في عيالنا وهم يمارسون طفولتهم، ونحن نعلم أنهم ليسوا ملزمين في سن معينة بقوانين وبروتوكولات معينة لممارسة اللعب والنط وإطلاق الضحكات أو الصرخات؟ لماذا نحرم أحياناً عيالنا من أشياء بسيطة لأن «مزاجنا عكر»؟ ورغم أن للآباء والأمهات وفي جميع الثقافات سلطات ديكتاتورية على العيال، فإن هذا لا يبرر جرح مشاعر العيال من غير أن تصدر عنهم أخطاء تستوجب المساءلة والردع، فمثلا يريد أحدهم أن تقوم بتوصيله إلى بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء فننفجر في وجهه: كفى صياعة والزم البيت! وهناك من يقول للبنت أو الولد الذي طلب التوصيل «تسكت وإلا أوصلك المقابر؟».. «تريد تذهب كل يوم لبيت خالتك؟ الله يخلخل ضروسك».

أعرف مثلاً أن زوجتي تفرح بهدايا رمزية زهيدة القيمة المادية، ولكنني قد لا أكلف نفسي عناء أن «أجبر بخاطرها»، وقد أعود إلى البيت عشرات المرات محملاً بأشياء يحبها عيالي، دون أن يخطر ببالي أن أشتري لها شيئاً خاصاً بها! بل وقد أدخل البيت حاملا قطع كيك أو علب آيسكريم، دون أن أخصها بواحدة منها. وأحياناً أكتشف أنني أتجاهلها وهي تتحدث معي، ولا أفعل ذلك عامداً بقصد إيذاء مشاعرها، ولكنني أؤذي مشاعرها على كل حال بتجاهلها! ولماذا أحادث زميل دراسة هاتفياً مكالمة تكلفني مائة ريال، ويفوت عليَّ أن أهاتف أختي التي لا تمر بها ساعة دون أن تفكر في حالي وأحوالي؟ لماذا أشتري سيارة بكذا ألف ريال وأسعد بذلك، ولكنني أقيم الدنيا وأقعدها لأن الولد يطلب سيارة بخمسين ريالاً بريموت كونترول ويجد فيها أضعاف السعادة التي أجدها في اقتناء السيارة أم كذا ألف؟ لماذا «أتعنتر» وأحلف بالطلاق لدفع حساب الطعام الذي تناولته مع أصدقائي في مطعم ويكلفني ذلك مئات الريالات وأتعنتر على عيالي إذا رغبوا في شراء سندويتشات شاورما ببضعة ريالات؟ لماذ أكسر إشارة المرور الحمراء، وأعرض حياتي وحياة غيري للخطر بينما الإشارة ستعود خضراء بعد دقيقتين على أبعد تقدير؟ ولماذا أتعمد مضايقة من يكون خلفي بسيارته ويغمز لي بإشارة ضوئية بأنه يريد أن يجتازني لأنه يتعجل الوصول إلى غايته؟

عيوبي وعيوبكم كثيرة ولكن يا ويل من يحاول أن ينبهنا إليها، أشياء بسيطة لو أخذنا بها في الاعتبار، لطابت النفوس وزال الكدر منها! أحياناً نستخسر إلقاء التحية على من يمرون بنا ونعرفهم ويعرفوننا، ومنا من يعتقد أن تحية الناس «اللي تحت» «تنازل» لا يليق به، وأمثال هؤلاء لا يردون التحية إذا صدرت من شخص يعتبرونه «دون المستوى»، وأعترف بأنني أستمتع بتجاهل مثل هذا الشخص الذي يعتقد أنه سيخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا، وأعرف أن تجاهلي له يبط كبده و»يفقع» مرارته، لأنه يعتقد أنه وحده مخول بتجاهل الآخرين، وإذا كان لي زميل عمل متعنطز فإنني أتلذذ بتذكيره بأنه من تراب. جرب الاستعلاء واستفزاز شخص مغرور يتعالى عليك وعلى غيرك، ومارِس معه العنطزة والاستخفاف، وسيفقد أعصابه ويسألك يوماً ما: أنت ليش شايف حالك ومنفوخ؟ قل له الجملة التالية وسيصاب بانهيار عصبي: أنا ابن من سجدت له الملائكة!! سيصيح مستنكراً: أنت أنت يا مبهدل يا عديم الأصل والفصل؟ قل ببرود: نعم أنا ابن آدم.. تعرف آدم يا جاهل؟

صحيفة الشرق