بمبان التظاهرات في السودان .. مخاطر صحية واقتصادية ونفسية
مواطنون وتجار: نريد حلاً
اختصاصية: يؤدي للموت وللعمى ويؤثر على القرنية والعدسة
طبيب: ننصح أصحاب أمراض الجهاز التنفسي بالبقاء في المنازل
طالبة: يئسنا من قدوم اليوم الذي ستنتهي فيه هذه التظاهرات
موظف: الموضوع أصبح مؤثراً من كل النواحي
تاجر: أصبحنا في قمة المعاناة من كل النواحي
امتدت التظاهرات في الشوارع السودانية بين شباب الثورة والشرطة والآمن لفترة طويلة لم تتوقف منذ 25 أكتوبر 2021 وحتى الآن، وقد تركزت في شوارع العاصمة الرئيسة والأسواق الكبيرة المكتظة بالسكان والمارة، وفي معظم أحياء بحري وبري حتى سمي شارع المعرض ببري بأنه شارع البمبان، وأثرت ألسنة البمبان تأثيراً كبيراً على الأفراد والتجار في الأسواق من ناحية اقتصادية وصحية ونفسية بسبب الاشتباكات التي تحدث بين المتظاهرين وقوى الشرطة والأمن، وما ينجم عنها من إطلاق للقنابل المسيلة للدموع (البمبان). وقد أعرب الشارع السوداني عن انزعاجه الكبير من هذه التظاهرات، حيث يقول السكان إن القنابل المسيلة للدموع أصابتهم بأضرار بالغة وتروى قصصاً محزنة عن وفيات حدثت بسبب البمبان.
شارع البمبان
ويقول أحد سكان حي بري: أن من أكثر الأشياء التي تزعجنا خلال التظاهرات هي إطلاق البمبان في الشوارع لدرجة أن هنالك شوارع أصبحت تسمى بـ (شارع البمبان)، حيث أصبح معظم أفراد الشعب من المارين يحاولون تجنب هذه الشوارع، ولكن البعض مضطر للمرور بها بصورة يومية مما يسبب لهم مشاكل صحية كبيرة بسبب مادة البمبان المسيلة للدموع والتي تؤثر على الجهاز التنفسي .
مرضى الجهاز التنفسي
تقول الدكتورة عبير عبد الواحد، اختصاصي أول باطنية لـ (الصيحة): أكثر الفئات التي يتعبها البمبان صحياً وبصورة كبيرة هم مرضى الجهاز التنفسي خصوصاً مرضى الأزمة وحساسية الصدر فيتعرَّضون لنوبات ضيق التنفس وفي هذه الحالة يحتاجون إلى عدة جلسات أوكسجين وفينتولوين (موسع الشعب الهوائية)، ونحن كأطباء ننصح أصحاب أمراض الجهاز التنفسي المزمنة بالبقاء في المنازل وعدم الخروج في أيام التظاهرات، ولكن بالتأكيد البعض لا يستطيع بسبب ظروف العمل والدراسة وفي هذه الحالة ننصح بأخذ الحيطة والحذر والاستعداد جيِّداً في حالة التعرُّض للغاز (البمبان)، من ناحية أخرى يتأثر –أيضاً- الأفراد العاديين الذين ليس لديهم أمراض الجهاز التنفسي بالبمبان، حيث يسبب لهم ضيق في التنفس وكحة وسيلان الدموع والإحمرار، وتأثيره يمكن أن يسوء أكثر من ذلك حيث يؤثر على القرنية والعدسة ويسبب الرؤية الضبابية ويؤثر على أعصاب العين، ويمكن أن يؤدي للعمى المؤقت وبالنسبة للأشخاص الذين يتعرَّضون له لفترة طويلة وبصورة قريبة فيؤدي إلى العمى التام (دائم) ونزيف العين، يؤثر البمبان -أيضاً- على الجلد فيسبب حساسية الجلد وإحمرار الجلد وقد يتسبب في الطفح الجلدي بالنسبة للأفراد المتعرضين له بصورة مستمرة.
شوارع ملغَّمة
كما تقول المواطنة مناهل، طالبة جامعية لـ (الصيحة): أنا طالبة بالجامعة وأضطر يومياً للمرور بعدة شوارع ملغَّمة بالبمبان، وبصراحة نحن كطلاب ومارة نريد حل لهذه القضية، البمبان سبب لي مشاكل صحية لم تكن موجودة لديَّ وحرقة العين والكحة أصبحت ملازمة لي وأصبحت أذهب إلى المشفى أكثر من ذهابي إلى الجامعة، وصلت مرحلة أني أذهب أيام المحاضرات المهمة فقط، حقيبتي لا تخلو من الكمامة وأدوية الالتهاب و (الخل) من أجل حرقة العين، واختتمت كلامها قائلة: أناشد السلطات المختصة بهذا الأمر أن تبحث في هذه القضية وتجد حلاً لأننا يئسنا من قدوم اليوم الذي ستنتهي فيه هذه الأحداث
صرف إضافي
ويقول -أيضاً- محمد، موظف حكومي لـ(الصيحة): أصبحت التظاهرات هي الطابع الرئيس للبلاد، فلا يخلو يوم إلا ويكون فيه تظاهر واشتباك بين الشرطة والشعب، وتؤثر هذه الاشتباكات علينا كثيراً كشعب عند إطلاق الغازات المسيلة للدموع (البمبان) وأنا كموظف ولديَّ أبناء يذهبون للجامعات ومنهم مريضة أزمة صار هناك صرف يومي لعلاج آثار الغاز عندما أتأثر أنا أو يتأثر أحد أبنائي خصوصاً ابنتي التي نضطر كثيراً لأخذها للمشفى لعمل جلسات أوكسجين، الموضوع أصبح مؤثراً من كل النواحي ونريد حلاً جذرياً لهذه القضية .
ربما تأثر المواطن السوداني بصورة كبيرة من التظاهرات اليومية ولكن التأثير الأكبر كان للتاجر الذي يضطر يومياً لإغلاق محله مما أثر عليه من ناحية اقتصادية ونفسية وصحية بصورة كبيرة، وفي هذا السياق تحدث لـ (الصيحة) يوسف الطاهر، تاجر عطور وأحذية بسوق بحري قائلاً: الكل يعلم بأن هذه التظاهرات بين شباب الثورة والشرطة والآمن قد امتدت لفترة طويلة لم تتوقف منذ 25 أكتوبر، حتى هذه الأيام في الخرطوم بحري، خصوصاً المنطقة الممتدة من ميدان (عقرب) حتى المحطة الوسطى والشارع المؤدي إلى سوق الخضار ما يعرف بشارع الأكاديمية، والمنطقة المحيطة بقسم شرطة بحري (الرئاسة)، وقد أثرت هذه التظاهرات تأثيراً كبيراً على تجار تلك المنطقة وسكان منطقة حي الختمية غرب والدناقلة وقشلاق الشرطة ومستشفى بحري، تأثر تجار تلك المنطقة تأثيراً كبيرًا من الناحية النفسية والاقتصادية والصحية فأصبح الكثير منهم في حالة صحية سيئة جداً، لأن المادة المستخدمة في البمبان مادة كيميائية فعَّالة أثرت صحياً على كثير منهم، خصوصاً مرضى الصدر والأزمات والربو، أما الأثر النفسي، فقد أصبحت تلك التظاهرات يومية عدا الجمعة مما أضطر الكثير من التجار إلى قفل محلاتهم وعدم مزاولة البيع والشراء ومن المعلوم أن أولئك التجار لديهم التزامات من إيجارات وضرائب ورخص وعوائد ومصاريف أسرية واجتماعية، وأصبح التجار عاجزين أمام أسرهم من تعليم وصحة ومصاريف، ولجأ -أيضاً- كثير من سكان المنطقة خصوصاً منطقة الدناقلة جنوب لترك منازلهم والذهاب بأسرهم إلى مناطق أخرى بعيداً عن البمبان والتظاهرات، كما تأثر التاجر وأصبح في حالة إفلاس وبعضهم في حالة ديون متراكمة عليه من تجار الجملة .
تحدث -أيضاً- لـ (الصيحة) سليمان محمد، أحد التجار بسوق بحري قائلاً: أثرت التظاهرات علينا كثيراً كتجار في هذه المنطقة، فمن ناحية صحية أنا أحد الأشخاص الذين سبب لي البمبان مشاكل في التنفس وتقرحات في العيون وحكة وإحمرار، وأصبح هذا الشئ ثابت ولا ندري ماذا سيحدث في المستقبل، أما اقتصادياً فقد خسر التجار كثيراً وبعضهم فقد موقعه وبعضهم أصبح مطالباً بإيجار، وبالنسبة للباعة (الفريشة) بجانب موقف سوق بحري فقد تأثرت تجارتهم كثيراً، وحتى السكان الذين يسكنو -أيضاً- في هذه الجهة فقد أثر بشدة على صحتهم، لدرجة أن هذا الشارع أصبح يوصف بـ (شارع المظاهرات).
معاناة
ويقول -أيضاً- علي أبو القاسم، تاجر بسوق بحري لـ (الصيحة): نحن لسنا ضد التظاهر ومن حق أي شخص أن يتظاهر إذا كان ذلك بطريقة سلمية ومرتبة، فنحن هنا الأن بسبب التظاهرات العشوائية قمة المعاناة من كل النواحي اقتصادياً وصحياً وحتى نفسياً أصبحنا محبطين جداً لأنه ليس لنا بديل إلا عملنا هذا ولو كان هناك بديل لتركنا التجارة بسبب الأوضاع المؤسفة، أصبحنا مرضى أزمات ننام بالأوكسجين والمسكنات، ومن ناحية اقتصادية (حدث ولا حرج)، اعتزلنا الاجتماعيات لأن (الجيب) أصبح فارغاً، وقمة الألم مستشفى بحري، حيث أصبحت عبارة عن كمين ناري والتظاهر يتم داخل المستشفى بدون مراعاة لحرم المستشفى وحرمة المرضى حتى الأفراد عند مرورهم بهذا الشارع يكون متحفظين جداً، والمشكلة الأكبر أن التظاهرات أصبحت جميع أيام الأسبوع، ليست كما كانت في أيام المليونيات، ففي ذلك الزمان كنا نقوم بعمل احتياطنا ولا نفتح محلاتنا في ذلك اليوم، ولكن الآن أصبحت الأوضاع سيئة جداً وكل يوم في نفس الدوامة، ثم واصل قائلاً: كل يوم نوع جديد من البمبان والمتظاهرين يرشقوننا بالحجارة، والمظاهرات ليس لها وقت معيَّن وصرنا نتفاجأ بها وأحياناً في أزمان متأخرة لا يتوقع فيها التاجر أن يحصل تظاهر، فنتفاجأ بالمظاهرات والاشتباكات حتى أننا لا نجد فرصة لإغلاق الدكان وأذكر في أحد الأيام وأنا أغلق دكاني أتت ناحيتي (طوبة كاملة) وكادت أن تضرب رأسي لولا رحمة الله عليَّ .
الخرطوم: آية من الله
صحيفة الجريدة