حل مشكلة الدعم السريع يبدأ بإعادته إلى وضعه الطبيعي وتوصيفه الصحيح
هناك خطأ مفهومي يقع فيه البعض فيما يتعلق بالدعم السريع. وهو كالتالي:
الدعم السريع هو مظهر من مظاهر مشكلة الدولة وأحد أخطاءها؛ إذن الدولة على خطأ وبالتالي فالدعم السريع له قضية يجب أن تُحل سياسياً لأن الدعم السريع هو مشكلة الدولة في الأساس.
هُنا يحدث نوع من القفز، من الدعم السريع كمشكلة خلقتها الدولة، ونظام الإنقاذ تحديداً، إلى الدعم السريع كقضية عادلة، أي كتعبير عن قضية أو قضايا عادلة هي قضايا العدالة والتهميش إلى آخره.
ولكن الدعم السريع كمليشيا متمردة تحارب الدولة والشعب لا تطرح نفسها كمشلة، ولكن كحل. بمعنى أن الدعم السريع لا يعترف بكونه واحدة من مظاهر فشل الدولة وخطأ من أخطاءها؛ كلا، المليشيا تريد أن تستخدم فشل الدولة وهي نتاج لهذا الفشل، لكي يطرح نفسها كحل، كخلاص من الدولة التي حينما تجلت في أسوأ صور الفشل أنتجت الدعم السريع.
فالدعم السريع ليس نتاج تطور حركة نضالية من أجل العدالة والديمقراطية، بل على العكس هي نتاج تطور أداة قمعية صنعتها الدولة. فإن تكلمنا عن التمكين وعن المحسوبية والفساد وغياب المؤسسية كمشاكل في الدولة فإن الدعم السريع هو النموذج الأوضح لهذه المشاكل. مليشيا بقيادة عائلية غير خاضعة لأي سلطة قانون أو مؤسسية على رأسها شخص واحد والجميع يعملون تحته كموظفين، بما في ذلك المستشارين، فشخص مثل يوسف عزت ليس رفيق نضال بالنسبة لحميدتي ولكنه مجرد موظف يعمل مع حميدتي يتم استخدامه للقيام بأدوار معينه ويمكن استبداله بسهولة في أي لحظة بموظف آخر؛ هذه ليست حركة بقدر ما هي شركة عائلية تملك مال وسلاح وجنود وموظفين.
الدعم السريع كمشكلة هو أمر يحتاج إلى معالجة بما هو مشكلة، لا أن يكون هو جزء من الحل كما يريد حلفاءه وداعميه، فهؤلاء يريدون استخدام الدعم السريع كمكافئ للجيش، كقوة موازية له تحمل البندقية وتفرض توازن عسكري يقود إلى وضع سياسي وذلك بناءً على التزام شخصي من مجرد شخص واحد هو حميدتي لأنه قرر أن ينحاز ل”الديمقراطية”، وهو طبعاً في الحقيقة إنما ينحاز إلى مصلحته والديمقراطية مجرد شعار زائف، فهو لم يبني كل هذه الامبراطورية ويعد كل هذا العتاد العسكري لكي يقيم نظاماً ديمقراطيا هكذا بسهولة قد يأتي به أو بغيره؛ وأكبر دليل على ذلك اصراره على فترة طويلة لدمج قواته مع احتفاظه باستقلال مؤسساته الاقتصادية وهي صفقة مع حلفاءه في قحت.
إن حل مشكلة الدعم السريع يبدأ بإعادته إلى وضعه الطبيعي وتوصيفه الصحيح، كإشكال يحتاج إلى حل، لا كجزء من الحل، أو كبديل لمؤسسة الجيش. وهذا لن يتم بدون نزع غطاء الشرعية الأخلاقية الذي تستخدمه المليشيا بالتوازي مع هزيمتها عسكرياً وإخضاعها لإرادة مؤسسة القوات المسلحة، المؤسسة الوطنية التي تملك حق احتكار السلاح باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هيكل الدولة مهما كانت المآخذ عليها.
مليشيا الدعم السريع كما أسفرت عن وجهها الكالح في هذه الحرب، هي مليشيا غير مؤهلة للتعبير عن أي قضايا سياسية أو اجتماعية، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، لأنها في الأصل عبارة عن مشكلة وانفجرت في البلد وهي بحاجة إلى معالجة من حيث كونها مشكلة، لا أن تكون هي واحد من الفاعلين لمناقشة قضايا البلد.
بالطبع لن يعترف قادة الدعم السريع ولا حلفاءهم ولا داعميهم بهذه الحقيقة، فكل هذه الأطراف تعمل على فرض الدعم السريع كطرف فاعل في المعادلة السياسية موازي للجيش، وذلك باعتبار قوة السلاح التي يفرض الدعم السريع نفسه بموجبها على الجيش وعلى الشعب السوداني، فشرعية الدعم السريع هي شرعية سلاح بامتياز، فهو لا يقوم بأي دور أخلاقي يستمد منه شرعيته. فمؤسسة الجيش هي مؤسسة مسؤلة عن أمن وسلامة الدولة والشعب، لا ينطبق أي وصف مشابه على الدعم السريع؛ في الحقيقة الدعم السريع عبارة عن مهدد للأمن القومي، لوحدة البلد وتماسكها ولأمن وسلامة المواطن، وهو يستمد شرعيته من البندقية، من مقدار الضرر والدمار الذي يستطيع تحقيقه.
ولكل ذلك، فإن أول خطوة في اتجاه الحل هي هزيمة وإخضاع الدعم السريع قبل الدخول في أي نقاش سياسي جدي حول قضايا الدولة السودانية وإصلاحها؛ الدعم السريع لا يمكن أن يكون هو الطرف الند الذي يقابل القوات المسلحة في أي عملية سياسية، فهو غير مؤهل للعب هذا الدور، و وجوده بهذه الوضعية لن يقود إلى حل؛ لأن الدعم السريع تطور كإقطاعية خاصة بحميدتي ويتحرك بموجب طموحات وأطماع شخصية ويتحالف داخليا وخارجيا على هذا الأساس، فهو ليس مؤسسة، ليس حزب أو حركة لها تنظيم وهياكل ومؤسسات يمكن التعامل معها بعقلانية، بل هو عبارة عن شركة خاصة بحميدتي ويعمل الجميع معه كموظفين برواتب يستطيع طردهم جميعاً واستبدالهم بآخرين سودانيين أو أجانب.
الحل يبدأ بهزيمة الدعم السريع.
حليم عباس