قصة الخباز البريطاني الذي ينقل الأوكرانيين إلى أماكن آمنة
ساعد خباز بريطاني أكثر من 300 لاجئ على الفرار من أوكرانيا منذ بداية الحرب هناك في فبراير/شباط 2022. وكانت البداية عندما ساعد ماركوس ويلز، البالغ من العمر 60 عاما، اللاجئين على الانتقال إلى منازل في المملكة المتحدة. لكن الآن، وبعد أن تراجعت أعداد الكفلاء، بدأ يساعدهم على السفر إلى الدنمارك.
ويستغل ويلز علاقاته بالمؤسسات الخيرية التي تساعد في تمويل رحلات اللاجئين إلى الدنمارك، وقام هو بنفسه بعدة رحلات للإغاثة. وقال ويلز، الذي يعيش في بريستول: “شعرت بانجذاب لدعمهم بكل الطرق الممكنة”.
وكان ويلز يعمل في مخبز “ذي بريدستور” في شارع غلاوشستر لمدة 18 عاما قبل أن يؤسس هو وزوجته شركة إمدادات غذائية في 2015 لتوريد الخبز والكعك للاجئين في المخيم المعروف باسم “ذا جنغل”، في كاليه بفرنسا، و”مطبخ مجتمع اللاجئين” في دنكيرك عبر قافلة “أيد بوكس”. لكن الزوجين باعا الشركة، وانطلقا إلى الأعمال التطوعية مع مؤسسة “فير شير” في بريستول، إلى جانب مواصلة عملهما في مساعدة طالبي اللجوء الذين ينتظرون نتيجة طلباتهم في فرنسا. وقال ماركوس ويلز: “أعتقد أن مجرد العلم بأن كل هؤلاء يقفون على أعتاب المملكة المتحدة يريدون الدخول إلى هنا أثر في نفسي كثيرا”. وأضاف: “دائما ما تترك في نفسي قصة هؤلاء الذين نزحوا من أوطانهم لأسباب مختلفة، أثرا عميقا”. وأكد أن هذا الشعور يتملكه بقوة “أثناء المساعدة في نقل الأوكرانيين ورؤيتهم يحملون كل ممتلكاتهم في حقيبة سفر”.
وانتقل حوالي عشرة ملايين لاجئ من أوكرانيا إلى بولندا منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022، علاوة على استقبال أكثر من 100 ألف أوكراني في المملكة المتحدة في إطار برنامج “منازل من أجل أوكرانيا”. وفي مايو/أيار الماضي، استقل ويلز ومساعده حافلة صديقه الصغيرة على بُعد آلاف الأميال، ونقلا أكثر من طن من المساعدات إلى وارسو في بولندا قبل أن ينقلا 12 لاجئا إلى هناك.
وبالفعل ساعدا المجموعة في السفر إلى ساندهولم بالقرب من كوبنهاغن قبل العودة إلى وارسو عبر كوبنهاغن وهامبورغ لنقل المزيد من المساعدات ثم القيام بنفس الرحلة ثلاث مرات أخرى. وأضاف الخباز البريطاني: “ما زلت أشعر كأن شيئا ما يجذبني بقوة نحو القيام بذلك. ربما تكون طبيعة شخصيتي هي السبب – إذا علمت أن هناك عملا ينبغي القيام به، لا أستطيع أن أتجاهله”.
واستمر: “أعتقد أن عائلتي ترى أنني مجنون إلى حدٍ ما”. أحد الأشخاص الذين ساعدهم ويلز في الانتقال من بولندا إلى الدنمارك هو رومان تيمشينكو، وهو سائق رافعة يبلغ من العمر 36 عاما من تشيركاسي في وسط أوكرانيا.
وكان تيمشينكو أحد أفراد المجموعة التي استقلت الحافلة مع زوجته ناتاليا وأطفالهما الثلاثة، وامرأتين في منتصف العمر، وأربعة رجال تتراوح أعمارهم بين 60 و 62 عاما. ولا تزال الأحكام العرفية سارية في أوكرانيا، وهو ما يعني منع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما من مغادرة البلاد حتى يشاركوا في القتال.
لكن تيمشينكو تمكن من الحصول على استثناء من تلك القاعدة، إذ يسمح للرجال الذين لديهم ثلاثة أطفال دون سن 18 سنة بالمغادرة. وحصل الرجل على هذا الإعفاء بعد أن قاتل بالفعل منذ أكثر من عام في مواقع مختلفة، من بينها ماريانكا ونيفسكي وباخموت. وتعد باخموت واحدة من المناطق التي شهدت أشرس المعارك منذ بداية الحرب، إذ قتل فيها الآلاف من القوات التابعة لطرفي الصراع.
وقال اللاجئ الأوكراني: “لم أر في حياتي شيئا كهذا، فقد شاهدت دبابة وهي تصوب مدفعها في اتجاهي على بعد 200 متر”. وأضاف: “لأسابيع، كنا نمر عبر الجثث، وتعرضنا لإطلاق صواريخ وتبادلنا إطلاق النار وسط استمرار القصف بالقذائف، أعتقد أنني محظوظ لأني نجوت من كل ذلك”.
واستمر: “هذه فرصة بالنسبة لي لأمنح أطفالي حياة أفضل. أتمنى أن نحيا حياة سعيدة من الآن فصاعدا”. وأكملت إرنا، ابنة تيمشينكو، عامها الرابع يوم سفر الأسرة إلى الدنمارك. واشترى لها ويلز دمية على شكل دب على متن العبارة المتجهة إلى الدنمارك واحتفلت القافلة بعيد ميلادها وتناول الجميع الحلوى. وكانت أوكسانا ليدوفسكاي، 45 سنة من كراماتورسك في دونيتسك في شرق أوكرانيا، من اللاجئين الذين استقلوا الحافلة مع ويلز.
وقالت أوكسانا: “كان المشهد مرعبا في كراماتورسك في فبراير/شباط 2022”. وأضافت: “عندما بدأ القصف كنت في سوبر ماركت حيث سقطت قنبلة في مكان قريب وتحطمت جميع نوافذ المتجر وسقط الناس على الأرض”.
وتابعت: “كانت الأشهر القليلة الماضية صعبة، خاصة بعد وفاة والدي. ورغم أن محاولة زيارته كانت مرعبة، فقد حاولت أن أفعل ذلك”. واستمرت: “الآن في الدنمارك أحاول العثور على وظيفة وأريد الاستمتاع بالحياة مرة أخرى، لكن من الصعب أن أبتعد عن مسقط رأسي”.
وبعد رحلات نقل اللاجئين والمساعدات، نفذت الأموال التي كان ويلز يستخدمها في هذه الأعمال، وهو ما دفع الرجل في اتجاه التفكير في طرق أخرى للتمويل حتى يستمر في عمليات النقل التطوعية التي يقوم بها.
وكانت الطريقة التي توصل إليها هي صناعة وبيع خبز الجاودار المخمر الأوكراني الأسود.
وقال: “سألت سكان الحي عما إذا كانت لديهم الرغبة في الحصول على رغيف مقابل التبرع بـ 2.50 جنيها إسترلينيا لصفحة (غو فاند مي) الخاصة بي، ثم نخصم هذا المبلغ من ثمن الرغيف”.
وأضاف: “الأموال التي تُجمع تذهب مباشرة لنقل الناس من أوكرانيا إلى كوبنهاغن”.
وبفضل ما يقوم به إضافة إلى “التبرع من شخص كريم جدًا”، على حد قوله، جمع ويلز في الفترة الأخيرة ما يكفي لخمس رحلات أخرى.
ورغم الفارق الذي يحدثه الخباز البريطاني في حياة الكثيرين، دائما ما يقلل من أهمية هذا الدور الذي يلعبه في مساعدة اللاجئين.
ويقول ويلز: “الحافلة هي البطل الحقيقي. أما أنا فلا أشعر بالفخر، بل فقط بالسعادة لما أقوم به من أفعال”.
وأَضاف: “أعتقد أن ذلك الشيء الذي أشعر به عندما أساعد الناس دون انتظار أي مقابل هو الذي يلاقي عظيم الأثر في نفوسهم”.
“بي بي سي عربي”