موقف واشنطن من “طوارئ أمهرة” بين الارتباك وتحجيم الميليشيات
حالة من الجدل فرضها إعلان الحكومة الإثيوبية الطوارئ في إقليم أمهرة الإثيوبي، خوفاً من تكرار سيناريو الحرب في تيغراي، إذ تفاعلت وسائل الإعلام المحلية مع حديث وزير العدل جديون تيموتيوس عن “أن حالة الطوارئ في الإقليم ستظل سارية المفعول للأشهر الستة المقبلة”.
مرسوم الحكومة الإثيوبية الذي سيتم تنفيذه في إقليم أمهرة سيطبق على مناطق أخرى من الدولة بحسب الحاجة. وقدم وزير العدل إيضاحاً في شأن إعلان حالة الطوارئ لحماية الأمن والسلم العام في البلاد، لكن هذه الخطوات طرحت تساؤلات حول الموقف الأميركي مما يجري على الأرض في هذا البلد الأفريقي.
حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد بررت قرار الطوارئ بعدم “تمكنها من السيطرة على الأنشطة المسلحة في أمهرة، وأدى ذلك إلى اضطراب كبير في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم، مما دفعها إلى اتخاذ تدابير استثنائية لحماية الأمن والسلم الاجتماعيين”، منوهة بأن الإعلان وضع في إطار قانوني مناسب وخطوات ضرورية على أساس الدستور الفيدرالي.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أجرى بدوره اتصالاً هاتفياً بآبي أحمد، أمس السبت، للتباحث حول التطورات الأخيرة. وقالت الخارجية الأميركية إن بلينكن حث آبي أحمد على ضرورة “التنفيذ الفوري لاتفاق وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية من إقليم تيغراي ونزع سلاح المجموعات المسلحة ومن بينها جبهة تحرير تيغراي بشكل متزامن”. وينص اتفاق بريتوريا بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي، الموقع في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، على “نزع سلاح مقاتلي تيغراي” وكذلك الميليشيات القومية الأخرى، تزامناً مع انسحاب القوات الأجنبية وغير التابعة لقوة الدفاع الوطنية من المنطقة. وعلى رغم تأكيد فريق بعثة الاتحاد الأفريقي للمراقبة والتحقق والامتثال، الذي تم تعيينه لاحقاً للإشراف على عملية نزع السلاح، بدء مقاتلي تيغراي بتسليم الأسلحة الثقيلة إلى قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، في 26 مايو (أيار) الماضي، كجزء من عملية نزع السلاح المستمرة، إلا أن الحملة تعثرت في إقليم أمهرة، نظراً إلى رفض ميليشيات “الفانو” تسليم أسلحتها. تقارير أخرى ذكرت أن الانسحاب الكامل للقوات الإريترية وغير التابعة لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية من إقليمي تيغراي وأمهرة يواجه صعوبات إلى الآن.
أثناء إعلانه عن تسريح أكثر من 50 ألف مقاتل سابق في قوات تيغراي، قال نائب رئيس الإدارة الموقتة في الإقليم، الجنرال تاديسي ويريدي، “إن القوات الإريترية وغير التابعة لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية لا تزال تحتل جزءاً من أراضي الإقليم”، مطالباً بضرورة التزام سحب القوات غير التابعة للحكومة الفيدرالية وتسهيل عودة النازحين داخلياً إلى أماكنهم الصحيحة. بدوره، أشاد بلينكن “بالجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة الإثيوبية للعمل من أجل المساعدة الإنسانية من دون عوائق، واستعادة الخدمات الأساسية في منطقة تيغراي وكذلك في منطقتي عفار وأمهرة المجاورتين”.
لكن بيان الخارجية الأميركية لم يؤشر إلى الأزمة الحالية في إقليم أمهرة بعد إعلان حالة الطوارئ فيه، مما أثار تساؤلات المحللين حول الموقف الأميركي من الإعلان الأخير، وإمكانية تطور الوضع إلى حرب مفتوحة بين ميليشيات أمهرة القرنية والجيش النظامي. المتخصص في الشأن السياسي الإثيوبي لدتوا أيالون اعتبر “أن الموقف الأميركي يبدو مرتبكاً تجاه التطورات الأخيرة في إقليم أمهرة”، موضحاً “أن تجاهل الإشارة إلى التدابير الاستثنائية التي اتخذها مجلس الوزراء، بعيداً من البرلمان، في اتصال بلينكن، توحي بأحد الاحتمالين، إما أن الإدارة الأميركية غير مواكبة لخطورة الأوضاع في الإقليم، وإما أنها تدعم موقف رئيس الوزراء آبي أحمد الذي دعم أخيراً مواقف الولايات المتحدة حول حقوق المثليين في إثيوبيا”، على حد قوله.
أيالون الذي تعرض للاعتقال قبل أن يتم إطلاق سراحه أخيراً، أوضح كذلك أن الحديث عن ضرورة التطبيق الفوري لكل بنود اتفاق وقف العدائيات، مع الإشارة إلى أهمية نزع سلاح كل القوى غير المنضوية تحت لواء وزارة الدفاع الوطني الإثيوبية، يشير إلى دعم مواقف آبي أحمد تجاه نزع سلاح قوات “الفانو” في إقليم أمهرة. وذكر أن هذا الموقف يتجاهل واقع الخلاف الذي نتجت عنه مواجهات عنيفة ودامية في أمهرة، مشيراً “إلى أن القوات الأمهرية الخاصة أسست وفقاً للدستور الفيدرالي، إذ يسمح الدستور الإثيوبي بتشكيل قوات خاصة لكل إقليم، تعنى بحماية الأمن والسلم فيه”.
وأبدى تعجبه من وصف القوات الأمهرية حالياً بأنها خارجة عن القانون على رغم أنها هي ذاتها التي تم الاعتماد عليها في الحملات العسكرية التي شنت ضد جبهة تيغراي تحت شعار “إنفاذ القانون”. وتساءل “كيف يمكن لقوة ظلت توصف بمنفذ للقانون، وحامية للسيادة الوطنية، أن تتحول إلى قوة خارجة على القانون، ويتم تصنيفها كمجموعة ضد السلم والعدالة”، مطالباً إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإعادة النظر في مواقفها، ومحذراً من سقوط البلاد مرة أخرى في فخ العنف والعنف المضاد. وفي رده على تصريحات وزير العدل الإثيوبي، قال المتخصص في الشأن السياسي لدتوا أيالون، إنها تضمنت “مخالفة صريحة للمرسوم الخاص بإعلان حالة الطوارئ”، موضحاً أن نص المرسوم الوزاري، ينص على منطقة معينة، فيما تصريح الوزير تجاوز ذلك بإشارته إلى إمكانية تطبيقه حتى خارج الإقليم المحدد في حال الضرورة، مما يعني أن تطبيقات تلك التدابير تتجاوز التكليف المحدد، مما يجدد المخاوف حول استهداف إقليم أمهرة لجهة عرقهم، تماماً كما حدث في شأن أبناء تيغراي خلال الأعوام الماضية.
وأعاد التذكير بأن النظام الإثيوبي الحالي تحركه ثارات قومية بدءاً من استهداف إقليم الصومال، الذي تم إسقاط حكومته المنتخبة من خلال الجيش النظامي، وتعويضها بحكومة معينة مركزياً، وصولاً إلى تكرار السيناريو نفسه في إقليم تيغراي، بعد حرب ضروس استمرت لعامين، وتتويج ذلك بحكومة معينة، بدلاً من المنتخبة. وختم حديثه بقوله “النظام الجمهوري في إثيوبيا يواجه خطراً حقيقياً” وما يضاعف هذه المخاوف أن الحملات المتكررة تتم عبر شعارات حماية الوحدة الوطنية وإنفاذ القانون، موضحاً “أن الوحدة لا تتحقق عبر الآلة العسكرية، وخارج المؤسسات القضائية والتشريعية”. من جهة أخرى، أفادت قناة “zehabesha” بأن منطقة “دبري مارقوس” بإقليم أمهرة شهدت مواجهات دامية بين الجيش الإثيوبي وقوات “الفانو”. ونقلت عن شهود عيان قولهم إن انسحاباً جزئياً نفذته “الفانو” من مناطق شاسعة في مقابل تقدم الجيش النظامي، وسط سقوط ضحايا من الطرفين وبعض المدنيين.
القناة أوضحت أن المواجهات المتقطعة شهدت نوعاً من الهدوء عند العاشرة من مساء أمس السبت، في حين سمعت أصوات المدافع في منطقة “جراندر بر” المحاذية. وقدرت مصادر عدد الضحايا بالمئات في حين لم تقدم أي من الجهات الحكومية معلومات عن هذه المواجهات. بدورها، تحدثت مواقع محسوبة على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن أن وزارة الدفاع الإثيوبية طلبت من قواتها المشاركة في الحملة الحالية بإقليم أمهرة، إلا أن الأخيرة اعتذرت عن عدم المشاركة في أي حروب داخلية. وقالت المواقع “إن الجبهة تمسكت بالدفع باتجاه تطبيق اتفاق وقف العدائيات، وإنها غير ملزمة بخوض معارك خارج إقليمها الجغرافي”. كان رئيس الحكومة الموقتة في تيغراي قد دعا طرفي الصراع إلى “ضبط النفس، وحل القضايا العالقة عبر الحوار”.
بدوره، اعتبر المتخصص في الشأن السياسي إبراهيم إدريس، من ولاية كولورادو الأميركية، أن ما ورد عن اتصال بلينكن وآبي أحمد “يدفع في اتجاه تحجيم الميليشيات من كل الأطراف بمن فيهم أمهرة وتيغراي والأورومو” لصالح تقوية الجيش النظامي. وتابع “يبدو أن الولايات المتحدة اصطفت مع سياسات الحكومة المركزية، باعتبار أنها بمثابة تأمين لوحدة إثيوبيا واستمرارها، من خلال عزل القوات غير المنضوية تحت وزارة الدفاع أو تسريحها، وهذا ما يتوافق مع روح ونص اتفاق بريتوريا للسلام، الموقع في 2022”. وتحدث إدريس لـ”اندبندنت عربية عن “أن واشنطن تشعر بأهمية دورها ومركزيته، بخاصة في المناطق التي تملك فيها تأثيراً ونفوذاً تاريخياً، لا سيما بعد السياسات الأخيرة التي بدأت تتبناها روسيا تجاه القارة السمراء”، وتحديداً بعد القمة الروسية الأفريقية.
ومضى في تحليله “هذا يعني أن واشنطن تبدو معنية بدعم الدولة المركزية في إثيوبيا، على حساب الأطراف الأخرى، وهذا جزء من محاصصات اتفاق بريتوريا، الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات وتوحيد القوات في جيش واحد نظامي”. وختتم حديثه قائلاً “ثمة ما يوحي بوجود تفاهمات معينة بين الإدارة الأميركية ومجموعة من القيادات الإثيوبية، خصوصاً بعد زيارة رئيس الحكومة الموقتة في تيغراي إلى الولايات المتحدة ولقائه مسؤولين أميركيين ونواباً في الكونغرس”.
محمود أبوبكر – اندبندنت عربية