نجح السوريون بمصر وتصدَّروا المشهد.. واستمرار الحرب في السودان يضغط على سوق العمل بمصر
زادت نسبة البطالة بين العمالة الوافدة في مصر -سواء من اليمن أو سوريا- مع تزايد عدد الوافدين السودانيين خلال الشهر الماضي بمعدلات مرتفعة من العاصمة الخرطوم التي تعرضت لتدمير شامل، وعدم ظهور بوادر انتهاء الحرب. ورغم وجود العدد الكبير من السودانيين في مصر، فقد ساهمتِ الجالية السودانية في احتواء عدد هائل من الوظائف للفارين من الحرب معظمهم في مهن عمال بالمطاعم ومصانع المنسوجات بالعاشر من رمضان والشرقية وعدد آخر كبير يعمل في قطاع النقل والمواصلات في المواقف.
يقول عبد القادر محمد (عامل في موقف السودان بعابدين): لا توجد مشكلة سوى في تدبير أجرة السكن المرتفع، أما العمل فنحن تأقلمنا مع ظروف مصر التي رحَّبت بنا ولم تضعِ السودانيين في معسكرات لاجئين.
يضيف عبد القادر: العشرات من أقاربي يعانون من الحرب، منهم زوج شقيقتي التي وضعت طفلًا من أيام بعد أن هربت من الحرب قبل شهرين، وللأسف زوجها لا يستطيع الدخول بسبب التأشيرة المتأخرة، ونرجو من وزارة الداخلية النظر بعين الاعتبار للسودانيين، فعائلات كثيرة نصفها مصري وهي سودانية والعكس صحيح، فنحن لم ننفصل عن مصر كشعب واحد عمليًّا.
يضيف صبح فهمي: وصلت الآن من الخرطوم بعد رحلة معاناة يومين في الطريق بواسطة الباص، وسوف أعمل في محل قريب لي في عين شمس، أختي متزوجة من مصري وأولادها كانوا في الدراسة بجامعة الخرطوم وعادوا معي بعد فشل انتهاء الحرب، لعلي أنجح في نقلهم في جامعات مصرية كي لا يضيع مستقبلهم.
وفي ميدان الحمد بالتجمع الخامس توجد سيدة سورية (أم عمرو) تبيع الحلوى السورية قالت: زوجي استُشهد في دير الزور، وجئت مصر من ثلاث سنوات، أهل الخير (عم ينفَّعوني) في هذا الحي الطيب، الحرب مأساة حمى الله مصر، فلولاها لمُتنا من الجوع (عن جد)، عندي ثلاثة أطفال يتعلمون بمصر ويلقون كل رعاية، ثم ضحكت وقالت: الولاد صاروا مصريين، كانوا صغارًاعندما حضرت من سوريا، وحتى بعد انتهاء الحرب في بلدي ما صار لي أهل سوى بمصر وولادي صار ليهم أصحاب وعزوة (وين أروح بيهن؟). (أم عمرو) تقول أيضًا: هنا نعيش في أمان فلا تجد قبضايا (فتوة) يعمل معلوم علينا في البيع.
خلف مسرح عبد المنعم مدبولي وسط ميدان العتبة تنتشر عمالة السودانيين في النقل، على المقهى تتم عمليات البيع والشراء لعملات مصرية وسودانية من عمال في محلات مرخصة على حد قول طارق مصطفى صاحب مقهى: صحيح كل المقهى سوداني، لكن أنا مصري وكل العاملين معي من السودان ناس طيبين ولاد حلال، طبعًا أبيع بعض منتجات السودان من السجائر الحامية بعد أزمة السجائر المصرية ومنتجات الكركم السوداني والصندل. ويضيف: نحن لا نعرف عدد كل السودانيين العاملين في مصر فعددهم كبير في مصانع الطوب الطفلي بحلوان.
في شارع عرابي وسط القاهرة تنتشر سلسلة محلات فلسطينية، يقول مازن محسوب (مدير المحل): العمالة الفلسطينية في مصر منتشرة في سوق القماش بالموسكي من زمن الزمن، تجار كبار خصوصًا في سوق غزة، والعدد غير معروف بدقة في وجود مصاهرات مع المصريين، فعائلة شعث الفلسطينية نصفها مصريون يعيشون بين غزة والقاهرة، وأشهر عائلات غزة آل المصري وهم يصدِّرون منتتجات فلسطينية لمصر عبر معبر رفح.
وتقول بيانات العاملين الأجانب الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، إن الوافدين من الدول الآسيوية غير العربية، يشكلون العدد الأكبر من عدد الأجانب العاملين بالقطاع الخاص والاستثماري، وبلغ عددهم نحو (64231) أجنبيًا بنسبة 43%، ومعظمهم من بنجلادش بعدد 2924 أجنبيًا بنسبة 30%، تليهم العمالة الوافدة من الصين وعددهم 3197 أجنبيًا بنسبة 19%. والدول الأوروبية بعدد 33655 أجنبيًّا بنسبة 25%، ومعظمهم من المملكة المتحدة بعدد 2110 أجانب بنسبة 31%، ومن إيطاليا 546 أجنبيًا بنسبة 15%، ثم الدول العربية وعددهم 3326 عاملًا بنسبة 23% معظمهم من سوريا بعدد 1447 عاملًا بنسبة 44%، ثم فلسطين بعدد 788 عاملًا بنسبة 24%، ومن أمريكا 1082 عاملًا بنسبة 27%، ثم كندا بعدد 267 أجنبيًّا بنسبة 24.7%، كما زادت نسبة الفنيين في الميديا وبلغ عددهم نحو 4626 عاملًا بنسبة 30.9%، يليهم رجال التشريع (مكاتب محاماة وقضاء دولي) وكبار المسؤولين والمديرين بعدد 4407 عمال بنسبة 29.5%، ثم أصحاب المهن العلمية بعدد 3235 أجنبيًّا بنسبة 21.6% من إجمالي عدد الأجانب العاملين بالقطاع الخاص والاستثماري خلال العام 2022. وقد أصدرت وزارة القوى العاملة تراخيص عمل في مصر بلغت 13 ألفًا و331 أجنبيًّا من العمالة الصينية ثم العمالة الهندية والسورية والسودانية.
وقد أعفتِ الحكومة المصرية بعض الوافدين من دفع رسوم العمل لحاملي الجنسية اليونانية (تقليد قديم جدًّا من القرن الماضي)، وحاملي الجنسية الفلسطينية والجنسية السودانية العاملين في القطاع الخاص فقط (فهم يتمتعون بالإعفاء طبقًا لنص صريح أو ضمني في الاتفاقيات الدولية التي تكون جمهورية مصر العربية طرفًا فيها). وقد انتشرت مؤخرًا مهنة رسم الحناء بين السيدات السودانيات ومعظمهن فتيات جامعيات هربن من الحرب، إلى مباشرة أعمالهن داخل مصر لتوفير حاجتهن، لا سيما في مجال الهدايا والكوافير ورسم الحناء والتجميل. وفي المقطم يعمل مئات السوريين بالصناعات اليدوية والمشغولات. يقول محمود عبد الرحمن: كان عندي محل ضخم بشارع رمسيس وبعدين خسر من قلة البيع فقررت العمل بيدي أفضل من الخسائربعد عناء الحصول على فرصة عمل. أما باسل معلوف فيقول: نجح السوريون في مصر، ومن حسن الحظ يعملون في استثماراتهم الخاصة، وهم إضافة للاقتصاد المصري من دون شك، والطريف وجود وكيل تشغيل السوريين بمصر في دمشق، فقد زاد عدد وكالات السفر التي تساعد الشباب السوري في البحث عن مستقبل اقتصادي أكثر إشراقًا في مصر.
في قلب حارة الصوفي وسط القاهرة، يقف عشرات العمال الأفارقة، بعضهم يبيع طعام العصافير والطيور، وبعضهم يبيع إكسسوارات نسائية حيث أكبر تجمع بشري من السودانيين والأفارقة.
صحيفة الاسبوع