هل يستطيع حميدتي تشكيل حكومة بالخرطوم؟ وهل ستحظى باعتراف؟
الخرطوم- بعد أيام من مغادرة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان مقر قيادة قواته وسط الخرطوم، عقب أكثر من 4 شهور على اندلاع الحرب، واتخاذه مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر مقراً مؤقتاً، رشحت معلومات عن اعتزامه تشكيل حكومة طوارئ لإدارة البلاد إلى حين التوصل إلى تسوية بين الفرقاء السودانيين.
وبالمقابل، هدّد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بتشكيل حكومة موازية بالخرطوم، وقال في تسجيل صوتي منسوب إليه إن قواته ستبدأ مشاورات لتشكيل ما سماه “سلطة مدنية” بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأضاف حميدتي، في تسجيل نشر الخميس بحسابه على موقع “إكس”، أن قيام البرهان بتشكيل حكومة مقرها بورتسودان يعني الاتجاه نحو سيناريوهات حدثت في دول أخرى، بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد.
وفي هذا التقرير، تحاول الجزيرة نت الإجابة عن تساؤلات عدة حول إمكانية تشكيل حميدتي حكومة في الخرطوم، ومن سيشارك فيها، وهل يمكن أن تحظى باعتراف وشرعية؟
أفادت معلومات للجزيرة نت من مصادر سيادية -طلبت عدم الكشف عن هويتها- أن مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة اقنع البرهان بضرورة تشكيل حكومة فاعلة لإدارة شؤون البلاد، بعدما كشفت الحرب ضعف أداء الحكومة المكلّفة، التي توزع وزراؤها بين الولايات السودانية وبعض عواصم دول الجوار، وتدهور مستوى الخدمات التي تقدمها، وشعر المواطن أن هناك فراغاً سياسياً ودستورياً، وهو ما استغله زعماء دول مجاورة تحدثوا عن وجود حالة فراغ في السودان.
بحسب معلومات مسربة من مصادر رسمية للجزيرة نت، فقد كلّف البرهان نائبه بإعداد مقترحات تشمل معايير لاختيار رئيس وزراء وحكومة مدنية غير حزبية، وهو ما تم فعلاً، حيث تسلم رئيس مجلس السيادة ملفاً عن تشكيل الحكومة وقائمة بمرشحين للوزارة.
كما تذكر المصادر أن رئيس مجلس السيادة كان يعتزم تكليف نائبه برئاسة الوزارة، لكن الأخير اعتذر عن ذلك بسبب ظروفه الصحية.
يستند مشروع تشكيل الحكومة إلى تكليف وزراء “تكنوقراط” واستبعاد الشخصيات السياسية، لكن اتفاق “جوبا للسلام” في السودان نص على منح إقليم دارفور 25% من مقاعد مجلس الوزراء، مما وضع البرهان أمام تحدٍ، وبات يخشى أن يتم تفسير إبعاد وزراء دارفور من تشكيلة الحكومة بمثابة انهيار لاتفاق جوبا وإقصاء قادة الحركات المسلحة في الإقليم.
كما تلقى قائد الجيش نصائح من جهات داخلية وخارجية تعتبر أن تشكيل حكومة -الوقت الحالي- يمكن أن يعتبر قطعاً للطريق أمام العملية السياسية المرتقبة بعد وقف الحرب، وهو ما يمكن أن يعقّد الأوضاع، بحسب المصادر.
حصلت الجزيرة نت على معلومات جديدة من مصادر قريبة من مجلس السيادة، ترجّح أن البرهان لن يسمي حكومة جديدة، وإنما سيجري تعديلات على الحكومة المكلفة منذ نهاية 2021، وسيشمل التغيير 7 وزراء، منهم اثنان متهمان بموالاة قيادة قوات الدعم السريع، وآخرون متهمون بالتقصير بالأداء، أو اختفاء بعضهم منذ بداية الحرب.
وتواجه الحكومة المكلفة منذ نحو عامين انتقادات واسعة لأدائها، حيث تتألف أصلاً من وزراء ممثلين عن الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق، بينما يعتبر البقية وكلاء وزارات مكلفين بمهام الوزراء.
حذرت قوى الحرية والتغيير من أن البلاد قد تنقسم وتنزلق إلى حرب أهلية شاملة طويلة الأمد، إذا شكل جانبا الصراع العسكريان حكومتين متناحرتين.
وقالت قوى الحرية والتغيير -في بيان لها الجمعة- إن تلويح طرفي الصراع بتكوين حكومة في مواقع سيطرتهما سيترتب عليه تعميق الصراع وتوسيع دائرة الحرب وتفتيت البلاد وتقسيمها، مؤكدة أنها ستتخذ عدداً من الخطوات للتصدي لمخططات تقسيم البلاد وللعمل من أجل إيقافها.
لاحظ مراقبون أن تسجيل حميدتي ورد قوى الحرية والتغيير جاء بعد يوم من ختام قوى سياسية اجتماعات في العاصمة الإريترية أسمرا، ضمت ممثلين لكل من “قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية” وتحالف قوى الحراك الوطني ومنظمات مجتمع مدني وكيانات مهنية وشخصيات قومية.
ونتج عن هذه الاجتماعات “إعلان أسمرا” الذي نص على فترة انتقالية لمدة عامين، وتشكيل مجلس سيادي مكون من 5 مدنيين و4 عسكريين يمثلون أقاليم البلاد، على أن يترأس القائد العام للجيش مجلس السيادة، وتشكيل حكومة مدنية انتقالية بعيدة عن المحاصصات بقيادة رئيس وزراء ذي شخصية توافقية.
ترى قيادات قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي أن غرماءهم في الكتلة الديمقراطية أقرب إلى قيادة الجيش، وأنهم من حرضوا البرهان على إقصائهم من السلطة قبل نحو عامين، وأنهم يريدون السيطرة على الحكومة على حساب القوى الأخرى.
مقابل ذلك تعتبر الكتلة الديمقراطية أن مجموعة المجلس المركزي حاضنة سياسية لـ “الدعم السريع” وأنها كانت تسعى لاستخدامه رافعة للعودة إلى السلطة، لكن وبعد تعثر فرض مشروعه عبر الحرب تخطط لإبقائه في المشهد كجزء من المعادلة السياسية في البلاد.
أكد مسؤول في المكتب الإعلامي لقائد الدعم السريع للجزيرة نت قدرتهم على تشكيل حكومة بالخرطوم، وقال إن قواتهم تسيطر على 90% من ولاية الخرطوم، كما أوردت البعثة الأممية في تقريرها الأخير إلى مجلس الأمن ذلك، وتنتشر كذلك في القصر الرئاسي ومقر مجلس الوزراء وغالبية الوزارات وسط العاصمة وفي مقر الإذاعة والتلفزيون بأم درمان.
ويوضح المسؤول أنهم لم يشكلوا حكومة خلال الفترة الماضية، لرغبتهم في وحدة البلاد جغرافياً وسياسياً، ولكنهم في حال شكل البرهان حكومة في بورتسودان، فإنهم سيتشاورون مع قوى سياسية واجتماعية -رفض ذكرها- لتسمية الحكومة، حيث سيكون السودان نموذجاً آخر لليبيا التي توجد بها حكومتان، لكنه يرى أن حكومته تستمد شرعيتها من الشعب لا من الخارج.
يعتقد مراقبون أن حميدتي يمارس ابتزازاً سياسياً، ومن الصعب أن يجد أي جهة سياسية توافق على المشاركة في أي سلطة أو عمل مشترك، وذلك بسبب الصورة “السوداء” التي تشكلت عن الدعم السريع، إثر الانتهاكات الواسعة بحق المدنيين واحتلال منازلهم ونهب ممتلكاتهم، مما يجعل التحالف معها ذا كلفة سياسية وأخلاقية باهظة.
ويقول المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “المجهر السياسي” الهندي عز الدين إن حميدتي مختفٍ منذ شهور، وإن أخاه ونائبه في قيادة الدعم السريع عبد الرحيم دقلو غادر مسرح الحرب بالعاصمة منذ أسابيع، ولا يستطيعان تشكيل حكومة لأنهما لن يتمكنا من مباشرة أي مهام.
ورأى أن البلاد لن ترى انقساماً من تهديد حميدتي، وإنما ستشهد تباطؤا في شغل الفراغ السياسي وتشكيل حكومة فاعلة لإدارة البلاد. ولفت إلى أن تشكيل الحكومة سينهي التقارب بين الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي.
ويضيف عز الدين أنه حتى في حال إعلان الدعم السريع حكومة فهي لن تنال شرعية دولية، لأن المجتمع الدولي يتعامل مع البرهان، ولن يجد حميدتي أي تعاطف خارجي بعد الإدانات الدولية لممارسات الدعم السريع، خصوصاً عقب فرض واشنطن عقوبات على أخيه وفتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً في جرائم الحرب بدارفور.
الجزيرة نت