معتصم أقرع: شعوذة العلماء تضرب بالأرقام
هناك ظواهر معينة لا تخضع للانتظام الإحصائي وبالتالي فإن تفاصيل تكرار حدوثها في الماضي لا يعد مؤشراً لما سيحدث في المستقبل.
السبب هو ان الظواهر الاجتماعية – عكس الظواهر الطبيعية – في غاية التعقيد المركب لذا يصعب اخضاعها لنمذجة رياضية الا في حدود ضيقة من حيث التمرين وإمكانية الاستنتاج وموثوقيته حتى في حالةعلم الاقتصاد اقرب العلوم الاجتماعية للعلوم الطبيعية.
على سبيل المثال، البيانات الإحصائية المقطعية حول تفاصيل الحروب الأهلية حول العالم لا تخبرنا أي شيء عن الحرب الأهلية السودانية لأن كل دولة فريدة وحربها الأهلية وحدانية في نوعها وأسبابها ودينامياتها.
لا يمكننا التوصل إلى أي استنتاج إحصائي موثوق حول الحرب الأهلية السودانية بالنظر في تجارب الحروب الأهلية في بلدان أخرى مثل سريلانكا، أو رواندا أو ليبيا أو لبنان أو أي بلد آخر لأن كل بلد معقد بشكل استثنائي من حيث شربكاته الداخلية ومن حيث السياقات الإقليمية والعالمية المؤثرة على حربه. ولذلك، فإن مدة استمرار الحرب الأهلية في إحدى هذه البلدان، أو متوسط مدتها في مجموعة منها، لا يخبرنا شيئًا عن كيفية أو متى سيتم اخماد الحرب الأهلية السودانية وبأي شروط.
فقط صاحب العقيدة العلموية هو الذي يطبق منهجيات في غير مكانها فقط لانها تبدو معقدة ومثيرة للأعجاب.
ويتم استخدام الدقة الإحصائية والرياضية كإرهاب فكري يستخدمه الدجالون والعلماء الزائفون بفعالية مع انه في الحقيقة لعبة مثيرة للضحك أو كما يقول الشباب سواقة بالخلا من كائن دجال شعويذ.
في كليات الطب، يقومون بتعليم الطلاب الجدد كيفية إجراء مقابلة أولية مع المريض لتكوين صورة أو ملف تعريف صحي. من الأسئلة الروتينية التي تُطرح على المريض الذي يعاني من مرض ما ما إذا كان أحد أفراد العائلة القريبين عانى من تشخيص مماثل. السبب الواضح هو محاولة معرفة ما إذا كان هناك مكون وراثي للمرض أو شيء من هذا القبيل.
من يبالغون في تطبيق المنهج الإحصائي/الرياضي في غير مكانه وفي المناسبة الخاطئة يذكرونني بقصة طالب الطب الذي كان يجري مقابلة مع شخص صدمه موتر فيسبا. وسأل الطبيب “هل تعرض أحد أفراد العائلة المقربين لحادث مماثل؟”. كما لو أن خبطة الموتر لها مكونات جينية.
يقال ان هناك اكاذيب وهناك اكاذيب لعينة وأفدح منهما الإحصائيات.
معتصم أقرع