هل البرهان رئيس غير شرعي؟
نحن دخلنا في فترة إنتقالية منذ بيان إبنعوف في 11 أبريل 2019. لم تعد هناك أي جهة شرعية منتخبة من الشعب، ووثيقة كورنثيا التي وُقعت بين العسكر والقحاتة كانت وثيقة توافقية قائمة على شرعية الشراكة التوافقية.
وحينما فشل هذا التوافق (الجزئي والمنقوص) جاءت اجراءات 25 أكتوبر 2021 التي قضت بفض الشراكة مع ما تبقى من الحرية والتغير التي كانت قد تفككت بخروج الحزب الشيوعي وحزب الأمة والجبهة الثورية وكيانات كرتونية أخرى. ثم فشلت القوى السياسية في التوافق مرة أخرى بعد 25 أكتوبر، حيث انقسمت قوى الثورة على نفسها،
وكل طرف يتبنى موقف إقصائي غير توافقي مع الآخر؛ فكانت قحت المجلس المركزي تصر على فرز وتصنيف القوى السياسية بمعاييرها هي، وتقرر من يحق لهم المشاركة في الفترة الإنتقالية وبأي صفة ومن لا يحق لهم، ساعدها في ذلك المطرود سيء الذكر فولكر وبعثته والآلية الثلاثية وكذلك أيضاً الآلية الرباعية التي تعاملت بانحياز تجاه أحزاب قحت المركزي. وفي الجهة الأخرى هناك الحزب الشيوعي وما يسمى بالجذريين،
وهؤلاء يزايدون على قحت نفسها قبل أن يزايدوا على الآخرين، ويدعون بأنهم الأحق بالسلطة باسم الشعب والثورة. في مقابل قوى الثورة بشقيها الإقصائي ممثلاً في قحت والأكثر إقصائية ممثلاً في ما يسمى بالجذريين من لجان مقاومة وشيوعيين وواجهاتهم، كانت هناك قوى سياسية واجتماعية تنادي بالحوار وبالتوافق الشامل، وهنا لابد من الإشادة بموقف حركات جوبا (رغم أنف البعض الذي لا يريد أن يحفظ لهم هذا الحق) التي ظلت مع شعار التوافق وضد الإقصاء ورفضت الانضمام للاتفاق الإطاري رغم كل الضغوط والتي وصلت حد التهديد.
هكذا هي الفترة الإنتقالية؛ حالة من الفشل وانعدام المسئولية وضيق الأفق وغياب الرؤية. وكانت نتيجة ذلك الحتمية هي الحرب الحالية، مع عوامل أخرى بالطبع.
الفترة الانتقالية بطبيعتها هي فترة تستدعي التوافق؛ أوسع توافق ممكن. ولكن هذا لم يحدث. لأن هناك قوى اعتقدت أنها قد ملكت السودان بوهم اسمه الثورة. ولكنها هي نفسها قد فشلت سياسيا وأخلاقياً وأيضاً فشلت تنظميماً حيث تفكك تحالف الحرية والتغيير. وفي النهاية حتى الحكومة الانتقالية التوافقية هي -بالتعريف- حكومة توافقية ليس لها شرعية بنفس معنى شرعية الحكومة المنتخبة مة الشعب.
وسط كل هذه الفوضى، تظل مؤسسة الجيش هي المؤسسة الوحيدة التي يلتف حولها الشعب. ولقد لجأت إليها منذ البداية جموع المتظاهرين في أبريل 2019، وما يزال الشعب يضع ثقته فيها، ويقف معها باعتبارها صمام الأمان الأخير لوحدة واستقرار البلد. .
ومع ذلك، فالبرهان قائد هذه المؤسسة ورأس الدولة الحالي ليس شرعياً؛ لا لأن قحت هي الممثل الشرعي للشعب أو حمدوك هو رئيس الوزراء الشرعي، ولكن لأنه رئيس انتقالي في مرحلة إنتقالية مضطربة لا تقبل مفهوم الشرعية أساساً؛ فالكلام عن الشرعية في مرحلة إنتقالية لا معنى له. ولكن البرهان هو الرئيس المناط به، بحكم موقعه كقائد للجيش وأيضاً كقائد للتغيير منذ 13 أبريل 2019 أي قبل خطأ وثيقة كورنثيا، يقع على عاتقه إخراج هذه البلد إلى بر الأمان، هذه مسئوليته. يجب عليه أن يعيد السلطة إلى الشعب نعم، ولكن ليس إلى شتات ثورة ديسمبر،
ويجب عليه قبل ذلك المحافظة على كيان الدولة ووحدتها وتماسكها واستقرارها. وهو يقوم الآن بهذا الواجب. بقي عليه أن ينتصر على المليشيا المتمردة ومخططاتها هي ومن يقف معها وخلفها، ويسانده الشعب في ذلك، ثم عبر الحوار والتوافق تشكيل حكومة لقيادة البلد في فترة إنتقالية تنتهي بانتخابات يقول فيها الشعب كلمته.
ولذلك، فإن الكلام عن شرعية البرهان هو كلام خارج السياق وبدون أي معنى. أما ادعاء شرعية حكومة حمدوك ومحاولة توظيف ذلك لتحقيق أي مكاسب سياسية لمجموعات حزبية فهذا هو الجنون بعينه. فحكومة حمدوك من البداية كان يجب أن تكون حكومة كفاءت وطنية مستقلة، ومشاركة حزب سياسي في الفترة الانتقالية هي بحد ذاتها خطأ وجريمة سياسية، ناهيك عن احتكار الفترة الإنتقالية وادعاء الشرعية دون الآخرين بدون أي تفويض من الشعب، فهذا عبارة جنون.
حليم عباس