مصطفى أبو العزائم

الاستبداد أرض خصبة للفساد


[JUSTIFY]
الاستبداد أرض خصبة للفساد

قبل فترة طويلة أهداني أخي وصديقي الدكتور أحمد آدم أحمد موسى، نسخة من مشروع الدستور الذي أعدته لجنة قانونية مختصة، داخل حزب السودان الجديد، الذي كان الدكتور أحمد آدم يشغل منصب الأمين العام له، قبيل أن يرتد عنه ويعود مرة أخرى إلى حزب المؤتمر الوطني. وقد صبرت على قراءة مشروع القانون ذاك، وحاولت الاجتهاد لكي استوعب الترتيبات المرتبطة بالمواد الدستورية المنظمة للحياة بكل أوجهها في الدولة، وكنت حريصاً على البحث عن موضع الحريات العامة والخاصة في المسودة الابتدائية التي اطلعت عليها، وربطت ذلك بدعوة المؤتمر الوطني الحاكم لبقية القوى السياسية للمشاركة في صياغة مشروع دستور يتفق عليه الجميع، بل ولاهتمامي بهذا الأمر وجدت نفسي أسارع بتلبية دعوة رئيس الجمهورية، رئيس المؤتمر الوطني السيد المشير عمر حسن البشير التي قدمها لقيادات القوى السياسية وعدد من الخبراء الدستوريين، وكبار رجال الفقه الدستوري والقانوني، بمقر إقامة السيد الرئيس في بيت الضيافة قبل عدة أشهر.

الآن، ومع بداية الجولة الثانية في المرحلة الثانية للتفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وجب علينا جميعاً أن ننبه وأن ننتبه في ذات الوقت، إلى أهمية تجديد تلك الدعوة لوضع دستور تتوافق عليه كل القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني والقيادات الأهلية والشعبية، وكل القوى الحية، وكل الشعب السوداني بكل فئاته وألوان طيفه المختلفة لنعبر عن طريقه كل مهاوي الخطر ومزالق الاستبداد الذي قد ينشأ لدى جماعة الحكم.

التوافق مهم والتراضي مطلوب، ليس من أجل فئة أو جماعة أو حزب أو تنظيم، فالشعوب بكل مكوناتها تريد حكماً نزيهاً أميناً يتساوى فيه الجميع، في الحقوق والواجبات، لا أن يتساوى المجتهد المخاطر مع الذي لا يبذل جهداً من أجل أن ينتفع هو شخصياً أو مجتمعه من ذلك الجهد، وأن تتضمن القوانين المفسرة للنصوص الدستورية حوافز تدفع الناس للعمل والاجتهاد والكسب الحلال بما لا يمس الأخلاق أو القيم العامة.

المطلوب الآن من السلطة القائمة الحاكمة أن تسعى حثيثاً لتحريك المجتمع وخاصة قيادات الأحزاب والمنظمات السياسية، وتدفع بها نحو تقديم تصوراتها ومقترحاتها للدستور الذي تراه، بحيث يتم الاتفاق على أطر عامة لا خلاف عليها مثل الحريات العامة والعدالة المطلقة، وحماية الحقوق، والعمل على «تحجيم» دور الحكومة و«تعظيم» دور الدولة بكل مكوناتها، بحيث تدير الحكومة شأن الدولة ولكن بقيود دستورية ولا تتعدى على حقوق الأمة، وأن تعمل على وفق الإرادة والتفويض الذي يمنحه لها الشعب من خلال الدستور، لأن أية توجهات غير تلك ستجعل الحكومة تسير في طريق الاستبداد، والذي إن سارت فيه صعب عليها العودة إلى طريق الحق ويسرت أمر تفشي الفساد وسط الشعب الذي سيصبح مقهوراً بحيث يلجأ بعض أفراده للتحايل والغش والخداع، وربما الرشوة لقضاء بعض حاجاته أو اكتساب ما هو حق له.. وهناك مقولة سبقت ما قال به المحدثون حول السلطة المطلقة التي تعني الفساد المطلق، فقد قالت العرب قديماً إن الاستبداد أصل كل فساد.

أود في ختام هذا المقال أن أتقدم بالشكر الجزيل للدكتور أحمد آدم الذي حفزني على كتابة هذه المادة من خلال إهدائه لي مشروع حزبه للدستور، وللأخ الكريم الدكتور علي السيد، والذي حفزني من خلال إشادته بما نتناوله من موضوعات في هذه المساحة، خاصة ما يهم أمر الحكم والحكام والمحكومين، وقضايا الحريات والسلام، ونسأل الله أن يجعلنا عند حسن الظن، وأن يهدينا وقيادات هذه الأمة في الحكومة والمعارضة إلى سواء السبيل .
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]