رأي ومقالات

حسان الناصر: لأننا إخترنا الأغبياء

” إن الذين استيقظوا يوم ١٥ أبريل على خطاب السيادة وهم في السابق كانوا عكس ذلك، كالذي دخل ميدان الإعتصام، فسمع جعفر حسن، ثم عاد إلى قريته يعلم الناس السياسة” لقائله!

لقد ظل السودان في مستويات من التعقيد الصعب الذي لا يمكن فهمه إلا من الخلال المتابعة الدقيقة أو الوجود في مراكز القرار، وأحيانا قد تكون الأخيرة مضللة، وفقا لقراءة ما كان يحدث في حقبة الرئيس المعزول فأحيانا تتخذ قرارا أثره يظهر ضمن متغيرات لاحقة بعد سنوات كقرار الموافقة على إنفصال الجنوب وفق الشروط التي فرضت حينها.

وهذا يعود إلى أمرين مهمين الأول مرتبط بشروط السلطة حيث تحول السلطة الفاعل إلى شخص مستهلك للخيارات غير صبور على الإستراتيجي ولأن الدولة متطلباتها غير قابلة للتأجيل أو لا يمكن أن تثبت سريان متغيراتها السريعة.

أما الثانية فهو الرؤية الكلية للدولة نفسها، وكيف تدار أجهزتها بمعنى النظرة السياسية و الإقتصادية التي من خلالها تعيد إنتاج مؤسسات الدولة، وهذه لا تأتي إلا من خلال الإستناد على أركان أساسية يمكن شرح عناصرها في ما بعد.

إن كانت حرب الخامس عشر من أبريل قد وضعت شروط جديدة يصعب من خلالها إنتاج ما هو قديم، وأي محاولة لذلك يعني أن نقوم بكسر ما لنوقف التغيرات التي حدثت، وهذا الكسر لا يكون إلا للطرف الذي يمثل الشرط الوطني الذي منع مشروع إختطاف الدولة و ترويضها لمصالح هي التي عملت على خلق الشروط و الظروف التي نشأت فيها الحرب.

إن شروط الحرب نشأت في ظرف تعد الدولة و المجتمع في أوهن حالاته، فبعد تحرير إقتصادي مشوه عمل على تفكيك القدرة الإقتصادية للدولة لصالح مجموعات، فشلت هي الأخرى في موضوعة نفسها بشكل إقتصادي فرمت بالدولة في جرف سحيق.

أنهك بذلك المجتمع و القاعدة الإقتصادية لمؤسسات الدولة، مما يعني ضعف و وهن المؤسسات هذه وقابلية إنهيارها في أي لحظة وفي كافة الظروف، وهو ما يتم في قطاع الصحة و التعليم و الزراعة ومن ثم البنى التحتية أيضا.

إنعكست هذه المشاريع على البنية الإجتماعية حيث إتسعت رقعة الفقر ومن ثم تغيرت الوضعية المدينية، و كان لابد للريف أن يجد مخرج فظهر الذهب مرة أخرى الذي دخلت عليه الدولة أيضا فلعبت وفق توازنات الفترة الإنتقالية، وأضاعت فرصة إحتكار المورد و السبب سياسات الرئيس المعزول منذ 2010، ومن ثم سيطرة أسواق الخارج على منافذ البيع، لذلك وجدت المليشيا ضالتها فيه.

بسقوط مناطق الإنتاج في الموجة الأخيرة (العقد الأخير) تكون بذلك قد أكملت موجات التحولات الاقتصادية التي عملت على تحلل الدولة، و المجتمعات المنتجة.

إن كان مشروع الفترة الإنتقالية قد حقق هدفه في تدمير الدولة و مؤسساتها بسبب عمالة / جهل / غباء القوى السياسية المُكونة للفترة الإنتقالية، تكون هناك مؤسسة واحدة قد تبقت للدولة، وهذه المؤسسة الجميع يعلم أنها لو سقطت فستكون هناك فوضى كبيرة ليس في السودان وحسب وإنما في الإقليم أيضا والبحر الأحمر.

لكن في ذات الوقت لابد أن تهندس هذه المؤسسة بحيث تتحول من جيش لدولة أو مشروع دولة إلى مجرد جيش تابع أشبه بحالة المليشيا، بحيث يكون غير قادر على إحداث أي تغيير سياسي لو إستدعى الأمر ذلك ففي الستينات و الثمانينات ومن ثم العقد الثاني من هذا القرن تدخل الجيش في إتحياز تحقيق مطالب إجتماعية، لكن هذه المطالب لمن تكن تتوافق مع كل المشاريع السياسية و الإقتصادية التي تريدها الأذرع الخارجية.

بما فيها أذرعها الداخلية من القوى السياسية التي تريد أن تحكم بلا قاعدة إجتماعية وإنما وفق حاضنة المجتمع الدولي ومصالحه في السودان، لذلك نجد هذه القوى لا تخاطب إلا الخارج ولا تتصل إلا بالخارج لأنه عنصر بقاءها الوحيد.

إذن حرب الخامس عشر من أبريل هي ضمن إطار كلي يجب أن تقرأ فيه، وليس بمعزل عن هذا، وبطبيعة الحال فالذين تشكلت مواقفهم السياسية مع خطاب الدولة و السيادة مع هذه الحرب أشبه بالذين قدمو ساحة الإعتصام ليستمعو إلى جعفر حسن، فهؤلاء لا يقرؤون الحرب ضمن هذه الشروط و التحولات.

إن ما يحدث الآن من ذهاب للتفاوض ومن ثم مهاجمة الفرق العسكرية، ومن بعدها مهاجمة آبار البترول وستحاول المليشيا أن تهاجم مناطق آمنة، وتخرجها للإعلام على أنها إنتصار ومن ثم تلعب بسكان الخرطوم سواء عبر استعراض لسيطرة أو دعايات زائفة حول تسيير الحياة.
ولا ننسى أيضا أن هناك ذراع سياسي شغله الشاغل منذ إندلاع هذه الحرب هو أن يقوم بإكمال مشروعه الخارجي، في ظل ذلك لا نصير سياسي واضح من قبل الفاعل الوطني، مع غموض عند القيادة العسكرية في تسيير المعركة وعدم وضع المواطن في شروط واضحة.
بالإضافة إلى أنني لا أجد عذر للتأخر في قرارات تشكيل الحكومة مثلا، وإدارة المعركة بصورة إعلامية جيدة توضح المواقف الصحيحة وتعمل على محاربة التضليل الذي تمارسه المليشيا، مما يعني أن قيادة الجيش يقع على عاتقها مسؤولية إدارة جميع هذه الملفات لأنها تقع ضمن مسؤولية الحفاظ على بقاء الدولة وسيادتها.

إذن هناك خطوات تقع ضمن الشرط العسكري مفقودة حاليا و يجب وضع النقاط على الحروف بشكل واضح وصريح ومخاطبة الجميع بما يجري بكل شفافية، حتى وإن كان إعلان الإخفاق و تحمل المسؤولية بدلا من الهروب المستمر .

عموما لقد تحملنا إتجاه بقاء الدولة الكثير منذ أن تكشفت معالم الزيف الذي جاءت به ديسمبر، وقلنا سابقا أن للدولة ثمن ويجب أن يدفع ، والموقف الآن هو إسناد الدولة سواء عبر التركيز على الجوانب الإنسانية و الإنتهاكات وحقوق المواطن أو عبر التنظيم و التنظم السياسي المساند لها، أو عبر تشكيل موقف وطني ضد القوى التي تحاول فرض الحل السياسي الخارجي.

أما دعاوي مطالبة الجيش فإني أراه في الأساس موقف رخيص يخدم بقصد أو بغير قصد نوايا المليشيا، لذلك ما للجيش للجيش وما لنا علينا لذلك قبل مطالبة الجيش يجب أن نقوم بالمهام المفترض أن نقوم بها، وعندما تأتي لحظة المطالبة سيدفع الجميع التكلفة.

حسان الناصر