حركات مسلحة تعلن الانحياز للجيش.. هل يشتعل الصراع أكثر في دارفور؟
ترشح تطورات الأوضاع المتصاعدة في إقليم دارفور غربي السودان إلى مزيد من التوتر والعودة لمربع الاشتعال، في أعقاب إعلان اثنين من أكبر الحركات المسلحة الانحياز للجيش السوداني في قتاله ضد قوات الدعم السريع، بعد 7 أشهر التزمت خلالها 5 حركات جانب الحياد، وعدم مناصرة أي من طرفي القتال.
وشهدت 4 من 5 ولايات في إقليم دارفور، وهي شمال وجنوب ووسط وغرب دارفور، اشتباكات دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلفت مئات القتلى، كما فرّ آلاف المدنيين إلى تشاد، ونزح آخرون إلى ولايات بعيدة.
ويتداول مدونون وناشطون أنباء عن حشد الدعم السريع قوات ضخمة لخوض معارك في شمال دارفور للسيطرة على الفاشر، كرابع ولاية في دارفور، وهو ما يعظم المخاوف من نشوب قتال ضارٍ، في ظل تمركز القوة المشتركة للحركات المسلحة في المدينة ذاتها.
قررت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، الذي يتولى أيضا منصب حاكم إقليم دارفور، الخميس، مغادرة محطة الحياد ومواجهة قوات الدعم السريع، التي سيطرت على 3 ولايات في دارفور بشكل كامل.
وعزا كل من جبريل إبراهيم ومناوي خلال مؤتمر صحفي عقداه في بورتسودان شرقي البلاد الانحياز للجيش لاستهداف الدعم السريع المدنيين ونهب الممتلكات، كما تحدثا عن أيادٍ خارجية تشارك في هذا القتال، تهدف لتنفيذ أجندة تصب باتجاه تفتيت وتقسيم السودان.
كما شارك في المؤتمر الصحفي ذاته رئيس حركة تحرير السودان مصطفى تمبور، الذي كان قد أعلن في وقت سابق الانضمام للقتال بجانب الجيش ضد الدعم السريع، والمشاركة رسمياً في الحرب.
ويُعد كل من جبريل ومناوي جزءا من القوة المشتركة لحماية المدنيين، التي جرى تشكيلها في أواخر إبريل/نيسان الماضي، بعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب، لتتولى مهام ذات صلة بتأمين انسياب المساعدات عبر الطرق البرية وحماية المدنيين، خاصة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وتتكون القوة المشتركة من حركات العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، والتحالف السوداني بقيادة خميس عبد الله أبكر، وحركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وهو عضو مجلس السيادة الذي أعفاه قائد الجيش من منصبه قبل نحو أسبوعين، لكنه أعلن رفضه للقرار.
وتقدر هذه القوات بنحو 5 آلاف مقاتل، يشكل مقاتلو حركة مناوي القوة الغالبة فيها، وبالتالي فإن انحياز جزء كبير منها للجيش من شأنه ترجيح ميزان للقوة لصالحه، وفقاً لمصدر عسكري تحدث للجزيرة نت.
وتمتلك القوة المشتركة نحو 100 عربة، ظلت تعمل في إيصال المساعدات الإنسانية وحماية القوافل التجارية، كما توجد بكثافة في الفاشر، وتسيطر على السوق الكبير وسوق المواشي، ولديها ارتكاز في عدد من الأحياء، كما توجد بأعداد مقدرة في غرب الفاشر خاصة معسكر زمزم للنازحين، وتتولى كذلك مسؤولية حماية مقار المنظمات الدولية بحي الدرجة الأولى في الفاشر.
ومن وجهة نظر مراقبين، فإن موقف كل من جبريل ومناوي لم يكن مفاجئاً لكثيرين، لا سيما أن مناوي أعلن في خواتيم مايو/أيار الماضي عدم الحياد تجاه حماية المدنيين، ووجه القوات المشتركة في دارفور باستخدام القوة لحماية المواطنين والأسواق التجارية من عمليات النهب دون انتظار تعليمات.
يشار إلى أن حاكم إقليم دارفور من أركو مناوي كان من بين عدد من قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، نشطت في التوسط بين الجيش والدعم السريع في الأيام الأولى لبدء المعارك لوقف التصعيد العسكري، وفي الثامن من مايو/أيار الماضي غادر مناوي الخرطوم إلى الفاشر وسحب كل مقاتليه من الخرطوم.
يعتقد المتحدث باسم حركة العدل والمساواة السودانية محمد جابر عبد الله، أن قرار الحركات المسلحة التخلي عن الحياد سيغير مسار العمليات الحربية كلياً لصالح القوات المسلحة، خاصة أن حرب دارفور التي نشبت في العام 2003 كان أحد أسبابها اعتداء المليشيات العربية على الأبرياء والمدنيين من غير القبائل العربية، بمساندة الحكومة والجيش حينها، عكس الوضع الراهن، الذي بات مشحونا ضد الدعم السريع مع تنامي الرغبة في الثأر لما حدث من تلك المليشيات في السابق.
ويوضح جابر للجزيرة نت أن ميزان القوى سيميل لصالح الجيش والحركات كذلك، من واقع اختلاف تكتيك المعارك، حيث تعتمد الحركات المسلحة على الهجوم مقابل جنوح الجيش للعمليات الدفاعية، وهو ما يعطي المعارك مكاسب إضافية، لا سيما أن المليشيات -كما يقول- تحارب لأجل الغنائم والكسب بلا عقيدة دافعة.
ويتحدث القيادي عن الفارق الكبير الذي خلقته قوات العدل والمساواة السودانية، التي أكملت الترتيبات الأمنية ودمجت قواتها في الجيش الحكومي، حيث أسهمت في خطط القتال داخل القيادة العامة وكذلك في حامية الفاشر، وهو ما يجعل انضمام حركات أخرى كفيلاً بتغيير مسار المعارك بشكل جذري لصالح الجيش خلال الأيام المقبلة.
ومن وجهة نظر الباحث المهتم بشؤون الحركات المسلحة شرف الدين محمود، فإن “إعلان بعض الحركات مساندة الجيش خطوة متأخرة، وإن انحيازها بشكل صريح فرضه سببان، الأول تأكدها من أن اعتداء الدعم السريع على ولايات دارفور يهدف لإنهاء اتفاق جوبا للسلام”، وذلك بعد تحليل لخطاب القائد الثاني في قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو الأخير، الذي نزع فيه حق الحكومة التنفيذية في فرض الأمن وتأمين المساعدات الإنسانية، وجعله حصرياً على قواته.
أما السبب الثاني وفقا لشرف الدين الذي تحدث للجزيرة نت، هو “تعرض هذه الحركات لانتقادات وضغوط واسعة بسبب حيادها، رغم ما ترتكبه الدعم السريع من جرائم وانتهاكات بمساعدة مرتزقة”.
أما الدافع المباشر للتخلي عن الحياد -كما يقول المتحدث ذاته- فكان “مهاجمة الدعم السريع للمواطنين في الجنينة بغرب دارفور على أساس عرقي وقبلي، والتخريب المتعمد لمدن دارفور خاصة نيالا وزالنجى، ويضيف “هذه الجرائم أعطت الشرعية الأخلاقية لهذه الحركات، في إعلان الحرب على قوات الدعم السريع والانضمام إلى القوات المسلحة”.
سبق قرار الحركات المسلحة بالانحياز للجيش إعلان قوات الدعم السريع اتفاقها مع عدد من قادة الحركات ذاتها على تكوين قوة مشتركة لحماية المدنيين والتنسيق المشترك، لكن نائب القائد العام لقوات تجمع قوى تحرير السودان الجنرال عبود آدم خاطر نفى للجزيرة نت التوصل لاتفاق.
وقال خاطر إن “مجموعة من القادة الميدانيين اجتمعوا بوفد الدعم السريع قرب منواشي في ولاية جنوب دارفور يوم الأربعاء، وتفاجؤوا ببيانات بشأن لقاء الدعم السريع وعدم حياد الحركات المسلحة”، مؤكداً أنهم “ملتزمون بالحياد، شريطة ألا تنشب حرب في مدينتي الفاشر والضعين”.
وأكد خاطر للجزيرة نت أن لقاءهم بقادة الدعم السريع ناقش الحرب والنزوح في دارفور، وتم تسليمهم رسالة لوقف تمدد القتال لولايتين، لكن الدعم السريع رفض وتمسك بالتصعيد ضد الجيش، وأضاف “طرحوا علينا تكوين قوة مشتركة، ولم نرد عليهم، وطلبنا الرجوع والتشاور، لكنهم بادروا لإعلان الاتفاق قبل وصولنا”.
وفي اتجاه ثان، بدا الوضع مرتبكاً داخل تجمع قوى تحرير السودان، بعد تبرؤ متحدث باسم التحالف من قرار الانحياز للجيش، مؤكداً أن ممثله في المؤتمر الصحفي صلاح الولي غير مكلف ويمثل شخصه، وأنهم ما زالوا محايدين تجاه القتال.
ورد الولي، وهو الأمين السياسي في التحالف، بتأكيد سلامة موقف التجمع حيال الانحياز للجيش، وإدانة الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في دارفور ودفنهم أحياء، وأن مشاركة الحركة في القرار يؤكد التزامها السياسي والأخلاقي تجاه شعبها.
وانتقد رئيس حركة العدل والمساواة سليمان صندل قرار مجموعة جبريل إبراهيم، التي انشق عنها قبل أشهر، واعتبر الانحياز للجيش دعماً صريحاً لعناصر النظام السابق.
ولم يعلق الدعم السريع على موقف الحركات المسلحة المنحاز للجيش، كما رفض المتحدث باسم الدعم السريع الرد على استفسارات الجزيرة نت بشأن هذه الخطوة.
الجزيرة نت