رأي ومقالات

هل في الوسط والشمال حواكير مثل دارفور ؟

راسلني أحد الإخوة الدارفوريين محتجا وقال لي أن السودان كله حواكير لا دارفور وحدها وأن الحواكير نظام محكم حافظ على السلم والأمن الاجتماعي في دارفور طويلا.

أود عزيزي القارئ ان تفرق معي بين مصطلحين من مصطلحات الأرض في دارفور وهما : الدار والحاكورة.

الدار هي أرض السلطنات القديمة التي سبقت ظهور سلطنة خيرة أو كيرا وهي السلالة التي ظهرت معها سلطنة دارفور.

ظهرت هذه السلالة التي إنحدر منها آخر سلاطينها السلطان علي دينار 1916م ووجدت قبلها ديار لقبائل كانت لها سلطنات بحدود جغرافية معلومة المعالم وهي الفور وكانت لهم دارفور والقمر وكانت لهم دار قمر والداجو وكانت لهم دار داجو والمساليت وكانت لهم دار مساليت والزغاوة وكانت لهم دار زغاوة.

ومع أن الفور كانت لهم دار خاصة بهم إلا أن إسم سلطنة دارفور صار ذا مدلول سيادي جغرافي يضم بداخله كل ديار السلطنات القديمة التي ذكرناها آنفا والتي نجح سلاطين خيرة بإخضاعها ، ولكن سلاطين خيرة بالرغم من ذلك تركوا تلك السلطنات تدير شئونها ذاتيا في ديارها وبنفس منظومة حكامها السابقين.

الحاكورة : هي قطعة أرض صغيرة أو كبيرة يقوم سلطان سلطنة عموم دارفور بتخصيصها لفرد أو قبيلة داخل إحدى الديار التي ذكرناها وتكون بحدود ومعالم واضحة وإجراءات ذكرناها في مقال سابق ويكون زعيم تلك القبيلة التي خصصت لها الحاكورة تابعا لزعيم القبيلة صاحبة الدار.

والسؤال : هل في الوسط أو الشمال ديار أو حواكير ؟
حين تكون مسافرا بالطريق البري من الخرطوم إلى عطبرة بشرق النيل ستصل إلى لوحة كتب عليها : مرحبا بكم في دار جعل.

هذا كل ما تبقى من ديار تلك القبائل التي داهمتها حملة اسماعيل باشا في 1820م.
حتى عام 1820م كانت هناك ديار معلومة الحدود تبدأ من الشمال : دار نوبة ، دار السكوت ، دار محس ، دار دناقلة ، دار شايقية ، دار مناصير ، دار رباطاب ، دار ميرفاب وعاصمتهم بربر ، دار جعليين نمراب وعاصمتهم شندي وسعداب وعاصمتهم المتمة غرب النيل وصعودا حتى سنار كانت كلها ديار لقبائل يربطها نظام حكم ذاتي هش مع سنار.

جغرافيا منطقة حكم المك نمر كانت لها حدود ومعالم توجد في كتب التاريخ القديمة التي لم يعد يطلع عليها أحد ولا يعلمها ولا يهتم بها أحد ، وتلك الديار القديمة كانت تعيش في حواضرها مختلف القبائل فقد ذكر أحد المستكشفين الأوربيين الذين زاروا شندي عام 1817م تقريبا قبل ثلاث سنوات من الغزو أن أغنى التجار في شندي من دنقلا ودارفور ! يعني كان هناك جلابة دارفوريين في شندي لأن شندي كانت العاصمة الاقتصادية لسلطنة سنار وكانت هي ممر القوافل المتجهة إلى سواكن قبل أن تدمرها حملات الدفتردار في 1823م ومن ثم تتحول القوافل إلى بربر.

وكان مكوك تلك الديار مثل دار جعل في شندي يعتمدون في مدخولاتهم على رسوم عبور رمزية من البضائع العابرة إضافة إلى مدخولاتهم من أعمالهم الخاصة فقد كان للمك نمر ما يقارب العشرين ملاحة لاستخراج الملح الصخري وكانت هذه المادة من أهم صادرات شندي.
ولكن صراحة لم أعثر على ما يفيد أن ديار جعل وشايقية ومناصير وغيرها كانت بها حواكير على النمط الدارفوري.

وكان للشكرية دار شاسعة في البطانة حصلوا عليها بموجب قرار من سلطان سنار.
ولكن السؤال هو : هل علاقات القبائل والمجموعات السكانية في يومنا هذا عام 2023م داخل تلك الديار التاريخية في الوسط والشمال تشابه ما يحدث في دارفور من حروب وصدامات ؟!
لا بكل تأكيد ، هناك خلافات تحدث أحيانا ولكن ليس بنفس الدرجة من العنف والاستمرارية.
وهنا في الشمال والوسط ديار لا تزال لبعض القبائل تسمى حيازات وتسبب صداعا وعرقلة للاستثمارات الكبرى في الزراعة أو التعدين.

وعلى كل فلابد من التوصل لصيغة علاقات تضمن للمجموع السكاني في المنطقة الجغرافية التحرر من النفوذ والتسلط التاريخي وفي نفس الوقت تمكن سكان المنطقة من حراسة وحماية مجالهم الجغرافي من الاختطاف بواسطة الاستثمارات المشبوهة التي تتم بمساعدة الحكوميين المرتشين.

#كمال_حامد 👓