شرح التلاعب على التناقضات!
أمريكا احتلت العراق في 2003 وبدأت في مفاوضات مع المقاومة في 2005 وتشمل قيادات من حزب البعث والنظام العراقي السابق، بينما استمرت في تكليف الحكومة المصنوعة باجتثاث البعث.
أمريكا اطاحت بحركة طالبان وبدأت المفاوضات معها مع أول تقدم ميداني كبير، وكانت تراوغها وتضربها بلؤم، لتفاوضها وهي ضعيفة، ثم تفاهمت مع إيران حول أفغانستان ونسقت معها ضد طالبان، بينما تحاربها في العراق ولبنان، وهذا -لتقريب الصورة- توصيف معروف في العلاقات الدولية باسم Frenemy، ولكنه في حالة إيران بنسبة ضئيلة تزداد في عهد الديموقراطيين وتنقص في عهد الجمهوريين.
لاحقا استقر موقف أمريكا على التفاوض علنا مع طالبان في الدوحة ثم فرض الشراكة على الحكومة العميلة التي صنعتها في أفغانستان بحجة عدم فعاليتها وعزلتها الداخلية، وأمريكا هي من صنعت لها عزلتها وفاوضت خصمها، وساندت اعفاء بعض مسئولي طالبان من العقوبات وحظر السفر داخل الأمم المتحدة، لانها حتى تفاوض كيانا ما تحتاج لتجميد العقوبات، وترددت الحكومة العميلة في الشراكة مع طالبان، و وجدت طالبان الفرصة مناسبة، وأمريكا مرتبكة بسبب روسيا والصين و”جازفت” القصة كلها، بدون شراكة، مما جعل أمريكا تلملم ما تبقى من عملاء ووزراء وقادة الجيش العميل في طائرة شحن عسكرية حتى لا تعدمهم طالبان، وهو ما سماه أعضاء في الكونغرس بالخروج المذل.
في العراق مجددا، قال القيادي البعثي العراقي صلاح المختار في 2019 نفاوض أمريكا حاليا وفاوضناها كثيرا من قبل.
أمريكا فاوضت الحوثيين في سلطنة عمان، ثم توقفت، وللغرابة انطلقت عاصفة الحزم في مارس 2015 بينما فاوضت أمريكا الحوثيين في مايو 2015 يعني بدأت الحرب عليهم وصنعت قناتها معهم، ثم فاوضتهم عبر السعودية وازالتهم من قائمة الارهاب في عهد ترمب، لمساعدة السعودية على انجاح حوارها معهم، ومن حينها تسعى الأمارات الى اعادة تصنيف الحوثيين بالإرهاب وتفشل، تحاول وتفشل، حتى مطلع ديسمبر الجاري حاولت عبر مجلس الأطلسي في ملتقى بغرض افشال الحوار السعودي اليمني لأنه يعيد الاستقرار ويهدد مستعمراتها في سوقطرى وعدن والمخا، التي تخزن فيها الاسلحة وتدرب المرتزقة، حيث بلغت بالامارات الجرأة قصف الجيش اليمني الموالي للسعودية في 2019، وقتلت منه “300 جنديا وضابطا”، وبالرغم من تهديد الحوثيين لأمريكا في البحر الأحمر، تتحدث واشنطون عن عقوبات على الحوثيين وليس اعادة التصنيف كما تريد الامارات، وأنا واثق أنها ستضرب أهدافا للحوثيين لارضاء الرأي العام وحلفاءها، ثم تفاوضهم لتبتز الأمارات.
في ظل هذه السياسة الأمريكية القائمة على الاحتواء المتعدد والتلاعب بالتناقضات، أي حكومة تعول على صفقة عاجلة وسرية مع أمريكا بمطلوبات بسيطة، هي حكومة تحلم بشيء (روسيا ما بتلقاه).
إذن الأفضل عدم التفريط إبدا في السند الداخلي ونقاط القوة، واخراجها من بند المساومات تماما، لأن الغرض أصلا سلب الحكومة من نقاط القوة والاستثمار فيها خارجها، ليس الغرض أنهم يكرهون طالبان أو شيعة أو إسلاميين .. في كل حالة.
هم يعلمون أن العلاقة بين أي حكومة في السودان و الاسلاميين نقطة قوة في تدوير الجهاز التنفيذي وفي القوة الأمنية والعسكرية، لذلك حرصوا على إضعاف الحكومة وتجريدها من هذه النقطة لتكون الهزيمة سهلة بالنسبة لخصومها، ثم منحوا الضوء الأخضر للمخطط الإماراتي الاسرائيلي واحتفظوا بالمسار المصري في حال الفشل.
هذه سياسات أمريكية مستقرة، ومتطورة منذ الاربعينات، ولقد وجدت نفسي أمام 12 مجلدا في مكتبة المركز الأمريكي للسلام للتعرف علي أحداث ومعالجات مشابهة.
وبغرض الاخراج المؤسسي، هم ببساطة يفعلون الشيء ثم يرجعون عنه ويستبدلون المواقف، اقرئوا دراسة De-baathification, US blunder من جامعة جورج ميسون الأمريكية، ونقد الحالة الأفغانية و الكثير الكثير.
يقلقني جدا، أن يتوصل حاكم الى تفاهمات سرية مع الخارج ضد فصيل من أبناء وطنه ولا ينتظر تعاملا خسيسا من الخارج، وانتقاما من الداخل، وهو عين ما يريدونه.
والحل .. في الاستنفار الشعبي والتصالح العلني مع الاسلاميين.. نعم وفورا!
مكي المغربي