رأي ومقالات

📡 حرب بلا إعلام (٥ من ٥)

📡 حرب بلا إعلام (٥ من ٥)
وختامًا: الوصايا العشر
قال المفكر الأميركي جوزيف ناي في كتابه المهم: “القوة الناعمة”: “إن المعارك لا يمكن أن تُربَح فقط في ميادين القتال، وإن الكاسب في الحرب هو ذلك الذي تُكسب قصته في الإعلام”.
تعكس هذه العبارة بوضوح شديد ما نشهده خلال هذه الأيام من أواخر شهر ديسمبر وهو الشهر التاسع للحرب، كيف أن عصابات التمرد ومن يخططون له استطاعوا أن يخلقوا نصرًا وهميًا بمجرد دخولهم الفجائي إلى مدينة ود مدني وقرى ولاية الجزيرة. وصارت القصة السائدة في الإعلام خلال هذه الساعات هي أن الجيش في وضع سيء وأن التمرد يتقدم إلى المدن والقرى يحتلها واحدة بعد أخرى.

هذه صورة مضخمة بالطبع، التمرد يندحر في الخرطوم، ويخرج الآلاف في كل المدن يحملون السلاح في استنفار كبير.
ولعل أقوى الدروس في حرب الخرطوم، أن من أقوى الأسباب لما أصابنا الانغلاق الاستراتيجي الناتج عن الانقسام والتجزئة، وهو أسوأ ما يصيب الشعوب. قالوا: (تسقط بس) ومارسوا التصنيف والإقصاء. الشعوب التي عبرت لمستقبلها هي التي حققت انفتاحات إستراتيجية متجددة باستمرار، وتجاوزت العصبيات والحزبيات المنغلقة، وتمكنت عبر الحوار التعاوني على إدراك وعي مشترك للمصير الوطني الواحد.
ويستوجب الوصول إلى هذه الغاية التواصي بالآتي:
1. توحيد وتشبيك وتجميع كل القوى الوطنية. ووقف التنازع الداخلي والتلاوم، ولجم المتفلتين وكل أمر يفتت الوحدة الوطنية ويشتت الجهود.

2. تفهيم الشعب طبيعة هذه المرحلة التي نمر بها، وإعادة تعريف الحرب التي فرضت علينا وأبعادها الاستعمارية، والاهتمام بتشكيل ذهنية إستراتيجية سودانية تركز على الهوية الوطنية، وتنفتح على مرجعية الشعب السوداني في الجملة، ونبذ العصبيات الحزبية والجهوية والعنصرية والقبلية.
3. تجديد الخطط لتيار المعركة الوطنية والمدافعة لمواجهة سياسات التجويع ومحاصرة الشعب بالتفلت الأمني والحروب القبلية، والعجز عن إدارة الدولة وسياسة استدعاء الاستعمار الجديد التي تنفذها بعض الأحزاب والجماعات. (الخطة ينبغي أن تكون ذات مركزية موحدة وأوجه متعددة).

4. التقليل من آثار حالة الفوضى في وسائل التواصل الاجتماعي، بسنِّ التشريعات والقوانين والأوامر (أصدر والي الولاية الشمالية يوم أمس قرارًا بحظر أي نشر يهدد الأمن العام والسلامة والطمأنينة في الولاية الشمالية).

5. اتخاذ تدابير لمواجهة الشائعات من أبرزها إطلاع الجمهور بشكل صادق على ما يجري بعيدًا عن أساليب الخداع والمراوغة التي سرعان ما تكشفها الأحداث.

6. الحاجة إلى إعلام احترافي في التحليل وصناعة المحتوى الإعلامي الفعال، مع الحاجة إلى مختبرات لتصنيف وتحليل الأخبار المزيفة والملفقة للتحقق منها والرد عليها وتصحيحها للرأي العام، ويجدر التنويه في هذا إلى ما يقوم به موقع جهينة من الرصد والرد.

7. مواجهة الشعارات الزائفة مثل (لا للحرب)، لأن نبذ الحرب لا يكون بمجرد إطلاق الشعارات، بل بإعداد القوة التي توقف العدو من المضي في خططه، وتعزيز الشعور العام ضد صانعي الحرب وهم الطامعون في بلادنا، والعمل على كشف الدور الخطير للمجموعات المعادية، ومواجهة وسائلهم وأساليبهم في التخريب وممالأة العدو.

8. الارتقاء بمجموعات واتساب وتوجيهها إلى الحوار التعاوني الذي يلمُّ الشعث ويحقق التوعية الشاملة وتنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطن. ولا بد هنا من الإشارة إلى مجموعات أسهمت في حل كثير من المشكلات التي تواجه الناس في الأزمة وتقديم العون المالي للعالقين والمرضى والنازحين وذوي الحاجات. في حين أن بعض المجموعات (القروبات) تحولت إلى أماكن للتنابذ والتنمر بل التهديد والوعيد.

9. تأكيد الدور للإعلاميين في ضبط الخطاب الإعلامي وتوزيع أدواره وتنزيله موقوتا ومحسوبا وربطه بحراك على الأرض؛ لا يهدأ.

10. لا يمنع ذلك من إنشاء واجهات متعددة بشرط العمل على تكوين تواصل مستمر وتنسيق مع القوى الوطنية كافة عبر هذه الواجهات المتعددة والمبادرة لطرح رؤية قومية شاملة مناهضة لإقصائية الأحزاب المرتبطة بالخارج وبالاستعمار الجديد.

الطريق نحو النصر واضح، وبإمكان قواتنا المسلحة وقوى شعبنا التي حملت السلاح أن تمضي قدمًا في طريق النصر والكرامة.
والله وليُّ التوفيق والإعانة.

✍ عثمان أبوزيد