أسئلة صعبة في زمن حويصلة الوزة
ارتفعت خلال الأيام القليلة الماضية الدعوات لتسليح المواطنين السودانيين. إن الحجة الداعمة للمقاومة الشعبية المسلحة واضحة وبسيطة: لقد ارتكب الجنجويد أعمال عنف مدمرة ضد المواطنين المدنيين المسالمين العزل في كل مكان، بما في ذلك الاغتصاب والنهب والقتل على نطاق واسع. وبما أن الجيش فشل في حماية المواطن من عنف الجنجويد، فإن الشيء الوحيد المتبقي للمواطنين هو تسليح أنفسهم لحماية حياتهم وسلامتهم وممتلكاتهم ومدنهم.
إن الدعوة إلى حمل السلاح يتبناها الإسلاميون، ولكن أيضا يتم تبنيها من قبل أشخاص ليسوا إسلاميين، وبعضهم ظل من أعداء الإخوان مدى الحياة.
وكما هو متوقع، أعرب العديد من الصادقين والصالحين عن تحفظاتهم، وزعموا أن تسليح المواطنين ينطوي على مخاطر كبيرة قد تنتهي بحدوث فوضى كاملة.
لكن بالطبع كانت آلة الدعاية الجبارة الموالية للجنجويد مفرطة النشاط في معارضة تسليح المواطنين رأفة بالجنجويد من يتم إيقافهم بعمل شعبي مضاد.
وياتي هذا المنحي من جهات روجت للعمل المسلح لعقود ضد البشير وخدمت كعضوية أو تحالفت مع ميليشيات تمت إدانتها بجرائم حرب من قبل أكبر منظمات حقوق الأنسان ومن الأمم المتحدة. حلال عليهم العمل المسلح المعرقن والمستند علي القبيلة حين يناسبهم، حرام علي غيرهم. نفاق.
لقد كنت طوال حياتي وما زلت ضد العمل السياسي المسلح، منذ أن كان المتحولون الجدد إلى السلام يشنون الحرب ضد نظام الأخوان ويضفون الشرعية على الميليشيات العرقية ضد نظام البشير.
ولم أغير موقفي أبدا إلي يومنا هذا وأشير إلى أن التحفظات على تسليح المواطنين مشروعة، أتفقنا أم أختلفنا، سواء أن عبر عنها مواطنون شرفاء أو أبواق تحالف الجنجويد.
لكن الوقوف ضد تسليح المواطنين للدفاع عن أنفسهم ضد إرهاب الجنجويد يفرض سؤالاً على معارضي التسلح “كيف تنصح العزل بالدفاع عن أنفسهم”؟ – أم تريدهم أن يجلسوا على مؤخراتهم ويتلقوا ويقبلوا الاغتصاب والنهب الجنجويدي ثم يديروا لهم الجمبة الايسر؟
ويجب أن تعلم أن شعار لا للحرب طوال تسعة أشهر دامية لم يحقق شيئا، ولم يحم امرأة مغتصبة واحدة أو مسلاتي مباد عرقيا.
وبغض النظر عمن يطيل أمد هذه الحرب، فهل على المواطنين أن يجلسوا ويقبلواعنف الجنجويد الذين أخرجوهم من دورهم حتى يتفق أعداء السلام على وقف الحرب، سواء كانوا الجنجويد أو الإخوان أو البرهان؟
ومن السخافة والكذب الشديد القول بأن هذه الحرب بين الجنجويد وجيش الإخوان حصراً وأن الشعب لا ناقة له فيها ولا جمل لأن هذا الادعاء تكذبه حقيقة أن الجنجويد يرهبون وينهبون ويغتصبون المدنيين العاديين العزل ويدفعونهم للفرار والهرب من مدينة إلى أخرى لأنهم يعرفون ما يحدث عندما يحتل الجنجويد مدنهم.
كما أن هذا الادعاء تدحضه حقيقة أن الجنجويد يهاجمون المدن وحتى القرى التي لا يوجد بها إخوان ولا جيش ولا أهمية استراتيجية لها أو وعسكرية بما في ذلك قري لم يسمع بها أحد من فرط هامشيتها وبساطتها . ومهما كانت هذه الحرب فهي أيضا حرب ضد المواطن السوداني في بيته وماله المنهوب وفي أجساد نسائه وضد مؤسسات الدولة كما تشهد بذلك البنوك المحروقة وغيرها من الأصول العامة والبني التحتية المدمرة عمدا.
الحقيقة أنه لا توجد إجابة سهلة لمشكل تسليح الشعب في بيئة أصلا مسلحة تعج بعشرات المليشيات الأثنية كما أن هناك اثنيات داخلة باكثر من صرفة مليشية.
سنحترم المعارضين للتسليح المتسرع، ونحن منهم، لو توقفوا عن تشجيع العنف الجنجويدي ببذل الغطاء السياسي والاعلامي الذي يوفر له الحماية في الداخل والخارج بما يساعده علي الأستمرار. وسنحترمهم أكثر لو ساهموا في فضح وإدانة العنف الجنجويدي في الدخل والخارج بدلامن توفير الغطاء السياسي له.
آخر كسرة في عام ٢٠٢٣ الأكثر برازية: في زمن ما ، كنا نختم كل عام بأغنية “لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد ! وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى “. وبتاويل القصيدة يمكن أن ننفي عنها التشاؤم المغلق ثم نفسرها علي أنها أيضًا تحذيرا واضحا لنا بأنه سينتهي بنا أمر التاريخ إلى عالم أسوأ إذا واصلنا في هذا المسار الغبي من العمل الاجتماعي والسياسي. القصيدة نبوءة تهدف لمنع تحققها بتشجيعنا على تغيير سلوكنا لتجنب مستقبل أسوأ.
معتصم اقرع