الجنجويد والإحتلال الاستيطاني
حضرت لقاء تلفزيونيا قديما، تحدث فيه ادوارد سعيد عن الإستيطان الإسرائيلي في فلسطين. عرض قصة أول زيارة له الى القدس بعد ان هجرها مع أسرته في صباه نتيجة للإستيطان الإسرائيلي. جاءت زيارته تلك بعد ان هاجر إلى امريكا وحصل على جوازها الساحر، والذي مكنه من دخول القدس، على الرغم من اعتراض السلطات الاسرائيلية.
حرص ادوارد على زيارة المنزل الذي ولد فيه، والذي توارثته أسرته جيلا عن جيل. لكن تفاجأ بوجود أسرة إسرائيلية، عرف لاحقا انها ظلت تقطن المنزل منذ ان هجروه، بل وتدعي ملكيته (بقدرة قادر). اكثر ما اثر فيه ان اسرته التي كانت تعد من الأسر الثرية، تقطعت بها السبل، وعانت من تقلبات القدر. بينما استحوذت الأسرة الإسرائيلية (والتي غالبا ما جاءت من أوروبا الشرقية) على الجمل بما حمل.
لاشك انني تأثرت حينها بالمشهد التراجيدي الذي رسمه #ادوارد_سعيد (سيما وان بلاغته في الانجليزية تجعلك تعيش المشهد بكل تفاصيله). وما ان بلغني ان عصابات #الجنجويد قد استولت على منزلنا المتواضع في الخرطوم (وهو المنزل الذي شيده والدي بعرق ومرارة الإغتراب) حتى استدعت ذاكرتي تراجيديا ادوارد سعيد.
لقد اصبح إحتلال المنازل من قبل الجنجويد حقيقة معاشة في مختلف مدن #السودان. وقد تجاوزت العصابة الأرهابية كل حدود الانسانية، لم تكتف بإحتلال البيوت وسرقة الأموال وتدمير الممتلكات، بل امتدّت أياديهم الآثمة الى أرواح الأبرياء وشرف الحرائر. وهنا لابد من التنبيه الى ان ما شهدته مدن السودان من إفقار ممنهج للمواطنين ونقل منظم للثروات سيشكل تحديا واقعا معقدا من منظور ال Socio-Economic. فالطبقة التي آلت اليها الثروات (بصورة غير شرعية) لم تتدرب على مهارات التعامل مع المال. هذا يجعلني ازعم انها ستعيش حالة من عدم الإستقرار الأمني داخل مجتمعاتها الضيقة. فالثراء المفاجئ الذي ظهر على بعض أفرادها، حتما ما سيغري أفرادها الأكثر فقرا الى استخدام العنف للحصول على جزء من الكعكة الحرام (ويذهب المال الحرام حيث أتى).
لعل ما يجعلني غير متحمس لفكرة لقاء البرهان مع حميدتي، ان الأخير (ان كان حيّا) لن يكون بمقدوره إلزام جنوده بإخلاء منازل المواطنين (دعك عن تعويضهم)، ومن العسير جدا على البرهان غض الطرف عن مسألة إخلاء المنازل والأعيان المدنية. اما حمدوك وجماعته (الذين ظلوا يساوون بين طرفي النزاع) فقد تجاوزهم الشارع، لأنهم أداروا ظهرهم لمعاناة شعبنا المكلوم، لا غرو فهم لا يملكون قرارهم، وليس بمقدورهم الخروج عن الخط الذي يمليه ممولهم(إمارات الشر).
المهندس عبدالرحمن عبدالله